عنوان الفتوى : خوارق العادات بين الكرامة والاستدراج
هل هناك صنف من المؤمنين يسمّون أصحاب الخطوة أكرمهم الله بأن يقرّب لهم المسافات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا على ألسنة أئمة السلف من الصحابة فمن بعدهم في القرون المفضلة تسمية صنف من المؤمنين بأصحاب الخطوة، وإنما عرفت هذه التسمية عند بعض الصوفية ومن على شاكلتهم، ويزعمون أن من يسمونهم بهذا الاسم هم من أولياء الله الذين تطوى لهم المسافات البعيدة فيقطعونها بخطوة أو خطوتين إكراما من الله تعالى لهم. وهذا الأمر وغيره من خوارق العادات كالمشي على الماء ونحو ذلك قد يحصل لأولياء الله تعالى إكراما لهم وتحقيقا لمصالح أنفسهم أو في دعوتهم، وأعظم ذلك ما يحصل للأنبياء كالإسراء والمعراج لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانفلاق البحر لسيدنا موسى عليه السلام، وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى على يد سيدنا عيسى عليه السلام، ومعجزات الأنبياء كلها من هذا القبيل، وما يحصل لأتباعهم من الخوارق هو في الحقيقة امتداد طبيعي لمعجزات أنبيائهم وببركة اتباعهم كما يقرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، كما يحصل لأولياء الشيطان ما يشبه ذلك من حيث الصورة، يستدرجهم الله تعالى به ويضلهم به، ويفتن به أتباعهم الضالين بهم، ومن هنا يلتبس الأمر على كثير من الناس ويحصل الإشكال عند بعضهم، فلا يفرقون بين ما كان من خوارق العادات إكراما من الله تعالى لأوليائه وأحبابه وبين ما كان من ذلك استدراجا من الله تعالى لأولياء الشيطان وإضلالالهم. وسبب ذلك عدم النظر إلى تلك الأمور من منظور شرعي عماده كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم سلف الأمة المزكى، بل نظروا إلى تلك الخوارق على أنها علامة لا تتخلف لولاية الله للعبد ومحبته له وإكرامه بغض النظر عن حاله هو، فنسبوا لولاية الله تعالى من هو من أولياء الشيطان باعتبار أنه حصلت على يديه بعض الخوارق، فحصل الخلط والالتباس عندهم في التمييز بين أولياء الله تعالى وأولياء الشيطان لفساد الاعتبار عندهم. ولو نظروا إلى ذلك من منظور شرعي لجعلوا المعيار لولاية الله ومحبته وإكرامه للعبد هو إيمانه بالله تعالى واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكه بشرع الله تعالى، فذلك هو الوصف الذي من اتصف به فهو ولي لله تعالى محب له محبوب عنده مكرم لديه، ومن لم يتصف بذلك فليس له في ولاية الله ولا في محبته وإكرامه نصيب، لذلك صح أن تكون تلك الأوصاف هي المعيار الدقيق للتمييز بين أولياء الله تعالى وأولياء الشيطان، لا ما يحصل لكلا الفريقين من خوارق العادات، لأسباب مختلفة بينا طرفا منها. وانظر المعيار الذي جعله الله لولايته ومحبته وإكرامه، يقول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. وصفهم سبحانه وتعالى بالإيمان المستلزم للانقياد له والاعتماد عليه وحده والرضا به ربا وبدينه دينا وبرسوله إماما، ووصفهم بالتقوى المتضمنة لامتثال أمره واجتناب نهيه والسعي في تحصيل محابِّه ونيل مرضاته سبحانه وتعالى. كما جعل التقوى في آية أخرى هي المعيار لمعرفة المكرَمين عنده سبحانه، يقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، ويقول أيضا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]. وفي الحديث القدسي: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصر الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه. الحديث أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. ونصوص الوحي طافحة بتقرير هذا المعيار، وأنه وحده هو الذي يمكن أن يعتمد عليه في وصف الشخص بالولاية والمحبة والكرامة، أما تلك الخوارق فقد تحصل لمن اتصف بالولاية وقد لا تحصل، وليس في ذلك نقص لمن لم تحصل له ولا يقدح عدمها في ولايته. والله أعلم.