عنوان الفتوى : رجل أهان المصحف برميه، فكيف يعامل؟
ما رأى الدين فى رجل زوجته تعاني من السحر السفلي فى أشد حالاته، وتسلط القرين عليها، وهذه الأخت للأسف تعتقد أن القرآن ليس علاجا، وأنه لن يفعل لها شيئا، وتقول بالنص: القرآن لن يفعل لي شيئا ، مهما قرأت مثل عدمه، فقال لها زوجها : إقرئي القرآن، فقالت له نفس الكلمة : إن القرآن لن يفيدها، فأخذ المصحف، ورماه على الأرض بقوة، ثم داس عليه بقدمه عدة مرات؛ بحجة أنها عصبته، مع العلم إن هذا الشخص غير ملتزم دينيا، ويترك الصلاة فى أوقات كثيرة، كما إن لديه اعتقادا أن السحرة المشعوذين يستطيعون أن يجلبو له النفع، أو يدفعوا عنه الضر، ويذهب إليهم لأجل أن يرزق بأطفال، ومهما أقنعناه لا يقتنع، لكن سؤالي : ما حكم التعامل مع هذا الشخص الآن؟ وما الواجب علينا فعله؟
الحمد لله.
أولا:
الاستهانة بالمصحف على وجه القصد والتعمد هو كفر؛ لأنه دليل صريح على غياب أصل التعظيم الواجب لله تعالى ولدينه، ودليل على الاستخفاف بشرائع الإسلام.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه، فلو ألقاه والعياذ بالله في قاذورة: كفر " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (2 / 71).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف، مثل أن يلقيه في الحش أو يركضه برجله إهانة له: أنه كافر " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8 / 425).
فالحاصل؛ أن هذا الشخص إذا كان يشعر بما يقوم به، فقد كفر بهذا التصرف، والغضب ليس عذرا لفعل المحرمات والأمور الكفرية.
لكن إذا كان هذا الشخص قد زال عقله بالغضب، في هذه الحال، وأصبح كالمجنون لا يعقل ماذا يفعل؛ فهذا يكون معذورا؛ لغياب القصد، فيكون من باب الخطأ غير المقصود المعفو عنه.
قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا الأحزاب/5.
وقال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة/286.
قال الشيخ محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )، لم يبين هنا هل أجاب دعاءهم هذا أو لا؟
وأشار إلى أنه أجابه بقوله في الخطأ: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الآية، وأشار إلى أنه أجابه في النسيان بقوله: ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )، فإنه ظاهر في أنه قبل الذكرى لا إثم عليه في ذلك...
وقد ثبت في "صحيح مسلم": ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )، قال الله تعالى: نعم ). " انتهى من "أضواء البيان" (1 / 312).
ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم :(163257).
ثانيا:
وأما ترك الصلاة أحيانا وفعلها أحيانا أخرى؛ فقد سبق ذكر الخلاف فيها في جواب السؤال رقم : (285977).
ثالثا:
والذهاب إلى الكهان والمشعوذين بقصد علمهم للغيب، وقدرتهم على النفع والضر، فهذا من المصائب الجسام.
وقد سبق بيان حكم ذلك في جواب السؤال رقم : (32863).
رابعا:
فإذا تبين أن هذا الشخص فعل هذه الأمور الكفرية على وجه التعمد والعلم؛ فقد ارتد عن دين الإسلام؛ فيعامل معاملة المرتد، وتزول عنه حقوق الأخوة الإسلامية.
وأما عقوبته فهي إلى القضاء، وليس إلى الأفراد.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (17 / 144):
" اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه، وذلك لمصلحة العباد، وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. والإمام قادر على الإقامة لشوكته، ومنعته، وانقياد الرعية له قهرا وجبرا، كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني عن الإقامة منتفية في حقه، فيقيمها على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود، وكذا خلفاؤه من بعده " انتهى.
لكن المرتد يمكنه التوبة، وهو مخاطب بها مادام حيا، فلذا عليكم أن تعاملوه بما ترونه الأصلح شرعا؛ فتنصحونه وتدعونه إلى النجاة بالتوبة كلما حصلت مناسبة لذلك، ولا يسقط النصح والدعوة بمجرد الظن بأنه لن يستجيب.
قال الله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ، وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الأعراف/163 - 164.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ... وقالوا لهم: ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا )، كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله، إما بهلاك أو عذاب شديد.
فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم ( مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) أي: لنعذر فيهم.
( وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم.
وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل الله أن يهديه، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر، والنهي " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 306 - 307).
وكل هذا بما أرشد إليه الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النحل /125.
والله أعلم.