عنوان الفتوى : وسائل المحافظة على الإيمان والدعوة وتحصيل العلم
نريد بيئة إيمانية لنتعلم العلم ولنحفظ إيماننا ولكن في هذا الوقت أنتم أعلم بالوضع حيث يوجد درس واحد أو درسان في الأسبوع في المسجد ناهيك عن المخابرات والمباحث والتضييق على التجمعات باختصار يوجد شباب مسلم التزموا ولكن لم يستطيعوا أن يجدوا بئيات صالحة فارتدوا على أعقابهم وهنا أريد أن تجدوا حلا غير الإنترنت لأن أكثر الذين يستخدمون الإنترنت لطلب العلم في لحظة ذهبوا من طلب العلم إلى طلب الشهوة أرجو أن تركزوا على هذا الموضوع وأرجو أن تأخذوا سؤالي على محمل الجد لأن عملكم أو وظيفتكم في بيئة صالحة تحث على الخير لكن غيركم الله أعلم ببيئتهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنا نسأل الله أن يزيدك حرصاً، وأن يجعلنا وإياك من الذين أوتوا العلم والإيمان، ولا شك أنه لا بد من التعاون على إيجاد وسائل للمحافظة على الإيمان وتحصيل العلم. ومن أهم هذه الوسائل البيئات الصالحة -كما تفضلت- ويدل لأهميتها تحريض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الهجرة إليه، وقد لوحظ أن الذين لم يهاجروا من الأعراب ارتد كثير منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما يدل لأهميتها أيضاً نصحُ العالِم الرجلَ الذي قتل مائة نفس ثم أراد التوبة بأن يذهب إلى أرض يوجد بها أناس صالحون وأن يعبد الله معهم، كما في حديث الصحيحين أنه قال: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.. وعلى هذا، فحبذا لو هاجر من استطاع الهجرة من مكان لا يقيم فيه دينه إلى مكان يحافظ فيه على إيمانه واستقامته، ولو لفترة يأخذ فيها زاداً إيمانياً ومعلومات أساسية يستنير بها في حياته، وينير بها الطريق لغيره. ومن الوسائل المهمة المعينة على حفظ الإيمان، كثرة المطالعة في الترغيب والترهيب وأحوال القبور والآخرة، ولا شك أن الاطلاع على أهوال القيامة من أعظم ما يقمع الأهواء والشهوات؛ كما يدل عليه الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. ومن الوسائل المهمة المعينة على حفظ الإيمان القيام بما تيسر من الدعوة الفردية وقيام الليل والمحاسبة والاستفادة من النشرات والأشرطة والكتب الصغيرة النافعة. ثم اعلم أخي أن ما ذكرت من المضايقات ينبغي التعامل معها باتباع الهدي النبوي في التعامل مع الأحوال التي مرت بها الدعوة في العهد المكي والعهد المدني. فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حياة مكية لم تكن الأحوال فيها مساعدة، فكان يتعهد صحبه في بيت الأرقم بن أبي الأرقم بالتعليم سراً، كما ذكر الذهبي في السير وابن كثير في البداية، وذكره أيضاً غيرهما ممن ألف في السير والتاريخ، ولم يكن يهتم في هذه الفترة بالاجتماعات الكبيرة الظاهرة، ولما كثر الصحب أمرهم بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة. وكانت له حياة مدنية كان يجمع الصحابة في المسجد ويعظهم ويعلمهم بعد الصلوات وفي الجمع والأعياد والمجالس، وفي البيوت وغير ذلك، فينبغي لمن كانت حاله مكية أن يحرص على حسن التدبير، والقيام بما أمكن من النشاط العلمي والدعوي، وأن يعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قلَّ كما في الحديث: أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قل. رواه البخاري ومسلم. وينبغي الاعتناء بالدعاء أوقات الإجابة والاستعاذة بالله من كل شر، ومن الأدعية المأثورة في هذا المجال قوله صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.. ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه أو ظلمه فليقل: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لي جاراً من فلان بن فلان وأحزابه من خلائقك أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغى، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله إلا أنت. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني. وروي عن ابن عباس أنه قال: إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك، فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعاً، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السماوات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه من الجن والإنس، اللهم كن لي جاراً من شرهم، جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك ولا إله غيرك، ثلاث مرات. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني. ثم إنه ينبغي أن يعلم أولئك الذين يضايقون الشباب الملتزمين أن الإيمان هو مصدر عز الأمة وفلاحها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، ومحبة الله لها وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة. كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]، وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96]، وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]. فعلى جميع المجتمع المسلم أن يتعاونوا على تحصيل الإيمان حتى يكسبوا هذه الوعود الطيبة، وينبغي للأغنياء أن يتعاونوا على توفير أشغال للشباب في البلاد المسلمة تغنيهم عن الهجرة إلى الأماكن الفاسدة، ويتعين على الشباب أن يبادروا بالزواج، وعلى المجتمع أن يساعدهم على إزاحة العقبات التي تعوق دون المبادرة به. وأما الإنترنت فلا شك أن لها مخاطر ويمكن الرجوع إلى الفتوى ذات الأرقام التالية: 1568، 3024، 6617، 8254 لمعرفة كيفية توقي مخاطرها والاستفادة منها. ولكن لا بأس أن يتفق شابان أو ثلاثة على وقت يجتمعون فيه ويطلعون على بعض المواقع المهمة، فيسمعون محاضرة أو يتابعون درساً أو يبحثون عن فتاوى أو يراسلون أحد العلماء، فلا شك أن اطلاع مجموعة في وقت واحد يمنع الشيطان من جرهم إلى المواقع الخبيثة، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وقال عنه شعيب الأرناؤوط إسناده حسن. والله أعلم.