عنوان الفتوى : حديثان متعلقان بتلاوة القرآن
ما صحة الحديثين التاليين : 1- ( وأعلم أنك لن تتقرب إلى الله بأعظم مما خرج منه ) . 2- (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وثلاث آيات بعدها ) ؟
الحمد لله.
أولا:
عن بَكْر بْن خُنَيْسٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، وَإِنَّ البِرَّ لَيُذَرُّ عَلَى رَأْسِ العَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ، وَمَا تَقَرَّبَ العِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ: يَعْنِي القُرْآنَ.
رواه الترمذي (2911) والإمام أحمد في "المسند" (36 / 644).
وفي سنده بكر بن خنيس.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" بكر بن خنيس العابد: -يروي - عن ثابت، ويزيد الرقاشي، وعدة، و -يروي- عنه آدم، وطالوت، وعدة: وَاهٍ " انتهى من "الكاشف" (1 / 274).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" بكر بن خُنيس، كوفي عابد سكن بغداد: صدوق له أغلاط " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 126).
وقال الترمذي عقب الحديث: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَبَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ قد تكلم فيه ابن المبارك وتركه في آخر أمره.
وقد رُوِيَ هذا الحديث عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ " انتهى.
ثم ساق الترمذي (2912) حديث جبير بن نفير هذا بسنده عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ العَلَاءِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ يَعْنِي القُرْآنَ.
قال البخاري رحمه الله تعالى: " هذا الخبر لا يصح، لإرساله وانقطاعه " انتهى من "خلق أفعال العباد" (2 / 263).
ومدار هذا المرسل على العلاء بن الحارث، وكان قد اختلط.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" العلاء بن الحارث الحضرمي الدمشقي الفقيه...
قال أبو داود: ثقة تغير عقله " انتهى من "الكاشف" (2 / 103).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" العلاء ابن الحارث ابن عبد الوارث الحضرمي، أبو وهب الدمشقي، صدوق فقيه، لكن رمي بالقدر وقد اختلط " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 434).
وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4 / 425).
ورغم ضعف الحديث إلا أن عبارة وَمَا تَقَرَّبَ العِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ – أي القرآن - معناها صحيح.
فمعنى ( خَرَجَ مِنْهُ )؛ أي منه بدأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" واتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود ومعنى قولهم: "منه بدأ": أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره ...
ولم يُرِد السلف أنه كلام فارق ذاته، فإن الكلام وغيره من الصفات لا تفارق الموصوف، بل صفة المخلوق لا تفارقه وتنتقل إلى غيره ،فكيف تكون صفة الخالق تفارقه وتنتقل إلى غيره؟
ولهذا قال الإمام أحمد: كلام الله من الله، ليس ببائن منه...
ومعنى قول السلف: "إليه يعود" : ما جاء في الآثار: ( إن القرآن يُسرى به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ، ولا في القلوب منه آية )...
وما جاءت به الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وغيرهم من أئمة المسلمين ، كالحديث الذي رواه أحمد في مسنده وكتبه إلى المتوكل في رسالته التي أرسل بها إليه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه ) ؛ يعني القرآن، وفي لفظ: ( بأحب إليه مما خرج منه )، وقول أبي بكر الصديق لما سمع كلام مسيلمة: ( إن هذا كلام لم يخرج من إِلٍّ ). أي من رَبّ.
وقول ابن عباس لما سمع قائلا يقول لميت وضع في لحده: اللهم رب القرآن اغفر له.
فالتفت إليه ابن عباس فقال: ( مَهْ. القرآن كلام الله ليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود )، هذا الكلام معروف عن ابن عباس... " انتهى من "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 20 - 21).
وتلاوة القرآن أفضل الأذكار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قراءة القرآن أفضل من الذكر، بالنص، والإجماع، والاعتبار.
أما النص: فقوله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الكلام بعد القرآن أربع - وهُنَّ من القرآن - سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )، وقوله عن الله: ( من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين )، وقوله: ( ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه )، وقول الأعرابي له إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يَجزيني في صلاتي. فقال: ( قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ).
وأما الإجماع على ذلك فقد حكاه طائفة، ولا عبرة بخلاف جهال المتعبدة.
وأما الاعتبار: فإن الصلاة تجب فيها القراءة؛ فإن عجز عنها انتقل إلى الذكر، ولا يجزيه الذكر مع القدرة على القراءة، والمُبدل منه أفضل من البدل الذي لا يجوز إلا عند العجز عن المبدل " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19 / 120).
وللأهمية طالع جواب السؤال رقم: (195274).
ثانيا:
حديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وثلاث آيات بعدها .
لم نقف عليه بهذا اللفظ؛ وقد رواه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (6 / 55) بسنده عن عُمَر بْن يَزِيدَ الْمَدَائِنِيّ، عَنْ عَطَاءٍ، عنِ ابْنِ عُمَر، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تجزىء فِي الْمَكْتُوبَةِ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وثلاث آيات فصاعدا .
وقال عن عمر بن يزيد هذا : "منكر الحديث".
ورواه ابن المنذر موقوفا ، غير منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فروى في "الأوسط" (3 / 101) بسنده ، عن سَعِيد الْجُرَيْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا .
وطالع للأهمية جواب السؤال رقم : (6422)، ورقم :(97484).
والله أعلم.