عنوان الفتوى : خبر في أكل أبي مسلم الخولاني للسم، ولم يضره

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما مدى صحة هذه الرواية : " أَنَّ جَارِيَةً كَانَتْ لِأَبِي مُسْلِمٍ قَالَتْ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ ، مَا زِلْتُ أَجْعَلُ السُّمَّ فِي طَعَامِكَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَمَا أُرَاهُ ضَرَّكَ ، قَالَ : وَلِمَ جَعَلْتِ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : لِأَنِّي جَارِيَةٌ شَابَّةٌ إِلَى جَانِبِكَ فَلَا أَنْتُ تُدْنِينِي مِنْ فِرَاشِكَ ، وَلَا أَنْتُ تَبِيعُنِي قَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَقُولُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ : بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ رَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ السَّمَاءِ " ؟

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق

الحمد لله

أولا:

روى  اللالكائي في "كرامات الأولياء" (ص 183)؛ قال:

أخبرنا أَحْمَدُ – وهو أحْمَد بْن عُبَيْد بْن الفضل بْن سهل بْن بِيري، أبو بَكْر الواسطيّ -.

قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ – هو محمد بن الحسين الزعفراني الواسطي -.

قَالَ: ثنا أَحْمَدُ – هو ابن زهير، ابن أبي خيثمة -.

قَالَ: ثنا الْحَوْطِيُّ – هو عبد الوهاب بن نجدة -.

قَالَ: ثنا أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ: " أَنَّ جَارِيَةً كَانَتْ لِأَبِي مُسْلِمٍ – الخولاني - قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! مَا زِلْتُ أَجْعَلُ السُّمَّ فِي طَعَامِكَ مُنْذُ كَذَا، وَكَذَا، فَمَا أُرَاهُ ضَرَّكَ؟

قَالَ: وَلِمَ جَعَلْتِ ذَلِكَ ؟

قَالَتْ: لِأَنِّي جَارِيَةٌ شَابَّةٌ إِلَى جَانِبِكَ فَلَا أَنْتُ تُدْنِينِي مِنْ فِرَاشِكَ ، وَلَا أَنْتُ تَبِيعُنِي.

قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَقُولُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ رَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ السَّمَاءِ " .

وهذا الإسناد رجاله ثقات، سوى أشعث بن شعبة، فقد اختلف في حاله؛ فهناك من وثقه، وهناك من ضعفه، ولخّص الحافظ ابن حجر حاله بأنه "مقبول" انتهى من "التقريب" (ص 113).

ورواه ابن عساكر أيضا في "تاريخ دمشق" (27 / 217) بإسناده عن أيوب بن سويد، عن السري -هو ابن يحيى- عن سليمان التميمي، عن أبي مسلم الخولاني قال: ( قالت جاريته : ... ).

إلّا أن في الإسنادين انقطاعًا؛ فسليمان الذي يروي عنه السري هو ابن طرخان التيمي، لا تعرف له رواية عن أبي مسلم الخولاني، وقد ولد حوالي سنة 46 هـ، وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" وروى: إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانئ، قال:

قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكريب بن سيف الأنصاري.

إسناده صالح.

فعلى هذا يكون أبو مسلم مات قبل معاوية، إلا أن يكون هذا هو معاوية بن يزيد.

وقد قال المفضل بن غسان الغلابي: إن علقمة، وأبا مسلم ماتا في سنة اثنتين وستين " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (4 / 14).

فعلى القول بأن أبا مسلم توفي في خلافة معاوية رضي الله عنه، فسليمان يومئذ لم يولد أو كان في سن الطفولة، وعلى رواية أنه توفي في خلافة يزيد بين 60 و64 هـ،  أو ابنه معاوية الذي توفي في سنة 64 هـ، فيكون سليمان يومئذ في مقتبل الشباب لكنه بصري، وأبو مسلم شامي، ولا يوجد ما يدل على التقائهما.

وقد ورد هذا الخبر بغير هذا الإسناد لكن بانقطاع أشدّ؛ حيث رواه قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في "سير السلف الصالحين" (ص 875)، بإسناده عَنِ السَّرِيِّ، قَالَ: قَالَتْ جَارِيَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ لِأَبِي مُسْلِمٍ: قَدْ سَقَيْتُكَ السُّمَّ وَمَا أَرَاهُ يَضُرُّكَ... ).

وكذا عند أبي العرب في كتابه "المحن" (ص 221).

فالحاصل؛ أن هذا الخبر ضعيف لانقطاع سنده.

وإن كان ثبوت كرامات الأولياء – على سبيل العموم – ثابتا ، ولكننا لا نجزم بثبوت كرامة خاصة إلا إذا ثبتت بسند صحيح ، وينظر جواب السؤال  رقم : (243548) ، و (243548) .

ثانيا:

قد روي مثل هذا عن خالد بن الوليد رضي الله عنه.

روى الطبري في "التاريخ" (3 / 362) كتب إليّ السريّ – هو ابن يحيى التميمي الكوفي- .

عن شعيب – هو ابن إبراهيم راوية كتب سيف عنه، فيه جهالة- .

عن سيف - هو ابن عمر الأسيدي الْكُوفِي صَاحب كتاب الردّة والْفتُوح وهو ضعيف- .

عن الغُصْنِ بن القاسم – لم نقف على حاله- .

عن رجل من بني كِنَانة، ويونس بن أبي إسحاق بنحو منه، وقالا: " فَكَانُوا - أهل الحيرة - يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ – أي إلى خالد بن الوليد من أجل الصلح- وَيُقَدِّمُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ...

قَالُوا: وَكَانَ مَعَ ابْنِ بُقَيْلَةَ - عَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ - مَنْصفٌ لَهُ – أي خادم - فَعَلَّقَ كِيسًا فِي حَقْوِهِ، فَتَنَاوَلَ خَالِدٌ الْكِيسَ، وَنَثَرَ مَا فِيهِ فِي رَاحَتِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَمْرُو؟ قَالَ:

هَذَا وَأَمَانَةِ اللَّهِ سُمُّ سَاعَةٍ، قَالَ: لم تَحْتَقِبِ السُّمَّ؟ قَالَ: خَشِيتُ أَنْ تَكُونُوا عَلَى غَيْرِ مَا رَأَيْتُ، وَقَدْ أَتَيْتُ عَلَى أَجَلِي، وَالْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَكْرُوهٍ أُدْخِلُهُ عَلَى قَوْمِي وَأَهْلِ قَرْيَتِي، فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّهَا لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ، رَبِّ الأَرْضِ وَرَبِّ السَّمَاءِ، الَّذِي لَيْسَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَأَهْوَوْا إِلَيْهِ لِيَمْنَعُوهُ مِنْهُ، وَبَادَرَهُمْ فَابْتَلَعَهُ ... ".

وهذا الخبر ضعيف بهذه الصيغة من الذكر، لوجود ضعف وجهالة في رجال إسناده.

وروى نحوه المعافى ابن زكريا في "الجليس الصالح" (ص 127)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عوَانَة بْن الحكم صدوقا، وشرقي بْن قطامي وَأبي مخنف قَالُوا: لمّا انْصَرف خَالِد بْن الْوَلِيد من الْيَمَامَة... فساق الخبر ).

وهذا إسناد ضعيف جدا ، لاشتماله على ضعفاء هشام بن محمد ، وأبي مخنف ، وشرقي ، وفيه انقطاع شديد فهؤلاء الثلاثة " عوَانَة بن الحكم، وشرقي بن قطامي، وأبي مخنف " لم يدركوا عصر خالد رضي الله عنه .

والثابت أنه قال: ( باسم الله، ثم شربه ).

فعن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أُتِيَ بِسُمٍّ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟

قَالُوا: سُمٌّ.

فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، وازْدَرَدَهُ " .

رواه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2 / 816) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4 / 106) واللفظ له ؛  وصححه محقق كتاب "فضائل الصحابة".

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" مناقب خالد كثيرة ساقها ابن عساكر، من أصحها ما رواه ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: ( رأيت خالد بن الوليد أتي بسم، فقال: ما هذا؟ قالوا: سم، فقال: باسم الله، وشربه ). " انتهى من  "تاريخ الإسلام" (2 / 127 - 128).

وبوب عليه البيهقي رحمه الله تعالى بقوله " باب ما في تسمية الله عز وجل من الحرز من السم" انتهى من "دلائل النبوة" (7 / 106).

والله أعلم.