عنوان الفتوى : هل صح حديث (لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكرُوا الله تَعَالَى فِيهَا) وكيف ترتفع درجة العبد عند الله ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت حديثا عن الرسول صلي الله عليه وسلم يقول فيه : ( ليس يتحسر أهل الجنة علي شيء إلا عن ساعة مرت لم يذكروا الله فيها)، فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان غير صحيح، وسيكون الندم فقط، عندما نحاسب، فما الفائدة إذن؟ وما الذي يدفعني إلي أن أقوم بأعمال أسبق بها إلي الخيرات لكي أرفع درجاتي إذا كان غيري لن يندم، حتي وإن كان في الدرجات السفلى ؟ وسؤالي الثاني : هو كيف أكون كاملة الإيمان؟ وبماذا تنصحوني هل أدخل كلية شريعة إسلامية أم طب بشري؟ وإذا كانت شريعة، فأين أدخلها؟ وهل في مصر يوجد جامعة أقدر أن آخذ منها شهادة غير الأزهر ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

أولا:

الحديث رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:  لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكرُوا الله تَعَالَى فِيهَا .

قال المنذري رحمه الله في الترغيب والترهيب (2312): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن شَيْخه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الصُّورِي، وَلَا يحضرني فِيهِ جرح وَلَا عَدَالَة، وَبَقِيَّة إِسْنَاده ثِقَات معروفون وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بأسانيد أَحدهَا جيد" انتهى.

والحديث صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، ثم تراجع عن ذلك وضعفه في "السلسلة الضعيفة" برقم (4986).

وعلى فرض صحة هذا الحديث: فليس المراد منه أن أهل الجنة يصيبهم شيء من الحسرات، بعدما صاروا إليها ، وسكنوها ، فإن الله تعالى يذهب ذلك كله عن أهل الجنة ، فلا حزن فيها ، ولا نصب ، ولا وصب .

وإنما المراد بـ"أهل الجنة" يعني: الذين يصيرون إليها .

وإنما تصيبهم هذه الحسرة ، إن ثبت ذلك : وهم في موقف العرض والحساب.

وأما بعد أن يسكنوا الجنة ، فيزول عنهم ذلك كله .

قال المناوي رحمه الله :

" (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء) ، مما فاتهم في الدنيا ، (إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها) ؛ أي : احتسابا ، وتقربا إليه .

وذلك لأنهم لما عرضت عليهم أيام الدنيا ، وماذا خرج لهم من ذكر الله تعالى ، ثم نظروا إلى الساعة الأخرى التي حُرموا فيه الذكر ، مما تركوه من ذكره ، فأخذتهم الحسرات .

لكن هذه الحسرات إنما هي في الموقف ، لا في الجنة ...

والغرض من السياق أن تعلم أن كل حركة ظهرت منك ، بغير ذكر الله ؛ فهي عليك ، لا لك .

وأن أدوم الناس على الذكر ، أوفرهم حظا ، وأرفعهم درجة ، وأشرفهم منزلة ..." انتهى من

"فيض القدير" (5/390).

ويؤيد ذلك ، ما صح من الأحاديث في نحو هذا المعنى ، لكن بلفظ ( يوم القيامة ) ، وهو ظاهر في أن ذلك إنما يكون في موقف العرض، في ذلك اليوم.

ومن ذلك : ما رواه الترمذي (3380) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ  وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

والترة: الحسرة.

وما ذكر في الحديث ( إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم ) : نص في أن ذلك إنما يكون في موقف الحشر يوم القيامة ، قبل مصير الناس إلى منازلهم؛ وإلا ، فمن كان في الجنة ، لم يبق عليه شيء من الذنب، ليكون في المشيئة: أن يغفر له ؛ ثم من دخلها ، لا يخرج منها أبدا ، ولا يقال فيه : إن شاء عذبه !! وهذا واضح جدا ، إن شاء الله .

وروى أبو داود (4856) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:  مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ  وقال الألباني: حسن صحيح.

ثانيا:

لا يجتهد المؤمن في العبادة لأن غيره سيندم، أو لا يندم ، ولا يراعي غيره أصلا ، ولا حاله ، ولا مآله ، في مسيره إلى رب العالمين ؛ وإنما العبد : همه : نفسه ، وهِمَّته : رضا به .

وهو إنما يجتهد في سيره إلى رب العالمين، لأسباب أعظمها:

1-التقرب إلى الله تعالى والقيام بحق العبودية.

2-الشكر لله تعالى على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، كما قال المُغِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،: " إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ:  أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " رواه البخاري (1130)، ومسلم (2819).

3-الرغبة في تحصيل الدرجات العُلا، فإن المجال مجال منافسة عظيمة، وصاحب الهمة العالية لا يرضى لنفسه النقص. قال تعالى:  وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ  العلق/19 ، وقال:  إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ  المطففين/22- 26 ، وقال:  وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا  الإسراء/79.

وروى البخاري (3256)، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ  .

قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ:  بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ .

وروى أبو داود (1464)، والترمذي (2914) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا  والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

4-الطمع في مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. وقد روى مسلم (489) عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ:" كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي:  سَلْ  فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ:  أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ  قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ:  فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ".

وروى مسلم (488) عن مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيّ، قَالَ: "لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:  عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً  ".

قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ لِي: مِثْلَ مَا قَالَ لِي: ثَوْبَانُ" .

وروى البخاري (5304) عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا  وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.

ورواه مسلم (2983) من حديث أبي هريرة.

فلهذا وغيره شمر المشمرون، واجتهد المجتهدون، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ثالثا:

يكمل إيمان العبد بفعل الفرائض، والاجتهاد في تحصيل النوافل، وترك المحرمات والمكروهات، فعلى قدر نصيب العبد من ذلك ، يكون إيمانه.

ويدخل في النوافل: نوافل الصلاة والصيام والحج والصدقة، والذكر وتلاوة القرآن والبر والصلة والمعروف.

فاجتهدي في ذلك كله، والزمي الحجاب، واجتنبي التبرج والاختلاط، وبري والديك، وأطيعي زوجك، يكمل إيمانك.

رابعا:

المفاضلة بين دراسة الشريعة والطب ، ترجع إلى عوامل ، منها : الميول والاستعداد النفسي ومستوى الإتقان للمواد المؤهلة للتخصص، ووجود الدراسة المباحة الخالية من الاختلاط.

فليكن حرصك على سلامة دينك أولا، وتجنب الدراسة المختلطة. ويمكنك سؤال أهل العلم ببلدك فهم أدرى بحال جامعاتها.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...