عنوان الفتوى : جواز الاستشهاد بقصة نوح والأمم السابقة على تأخر النصر
هل يجوز الاستشهاد بدعوة سيدنا نوح ـ عليه السلام ـ قومه 950 سنة على أنه ليس بالضرورة أن يكون الإنسان على غير الحق لتأخر نصر الله عنه... قال لي أحدهم: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ـ ويقصد أن البعض لو كانوا على الحق لنصرهم الله، فقال أحدهم: أتشبه سيدنا نوح بفلان... حرام عليك، وقال آخر أتشبه سيدنا يوسف بفلان، فهل في التشبيه خطأ، وأنا إنما أردت أن أقول إنه ليس بالضرورة أن يكون السجين مذنبا، وأن تأخير النصر لا يكون بالضرورة لكون الإنسان على باطل؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز الاستشهاد بقصة نوح على ما ذكرت، لأنه حصل فعلا، وهناك أدلة أصرح من هذا، منها قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ {البقرة:214}.
وقوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ {يوسف:110}.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد.... الحديث.
وروى البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون.
قال الإمام ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة....: فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من البأساء، وهو شدة الحاجة والفاقة، والضراء، وهي العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهد، حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريب، وأنه معليهم على عدوهم، ومظهرهم عليه، فنجز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا. انتهى.
وقال الألوسي في روح المعاني عند تفسيره قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب {البقرة:214} قال: زلزلوا ـ أي أزعجوا إزعاجا شديدا بأنواع البلايا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه، أي انتهى أمرهم من البلاء إلى حيث اضطروا إلى أن يقول الرسول وهو أعلم الناس بما يليق به تعالى وما تقتضيه حكمته والمؤمنون المقتدون بآثاره المهتدون بأنواره متى يأتي نصر الله طلبا وتمنيا له، واستطالة لمدة الشدة لا شكا وارتيابا. انتهى.
وأما التشبيه بالأنبياء في بعض صفاتهم: فلا مانع منه، لأن التشبيه بأنواعه ضرب من ضروب البيان العربي، يُعرف مقصد قائله من سياق كلامه، فلا حرج ـ إن شاء الله ـ في تشبيه بعض البشر في صفة من صفاتهم بالأنبياء أو الملائكة، كما في تشبيه النسوة لنبي الله يوسف ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ في حسنه وجماله بالملائكة، في قولهن: مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ {يوسف: 31}.
وراجع الفتوى رقم: 195175.
وأما قوله تعالى: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما... فهي واردة في الحكمين المريدين للإصلاح بين الزوجين، ولا دلالة فيها على أن كل داعية سيصلح حال الناس بسببه، ولا أن ذلك سيحصل بسرعة.
والله أعلم.