عنوان الفتوى : ما هو سبب صيام عاشوراء؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لماذا وضع يوم عاشوراء لموسى عليه السلام فقط، ولم يوضع يوم لمحمد عليه الصلاة والسلام ولا لعيسى ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

سبب صيام يوم عاشوراء

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ رواه البخاري (3943)، ومسلم (1130).

يوم "عاشوراء " من الأيام العظيمة التي سن النبي صلى الله عليه وسلم لنا صيامه، وليس هذا اليوم لموسى عليه السلام بل هو لنجاة أهل الإيمان، فسبب صيامه أنه يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق فرعون وجنوده، وغشيهم من اليم ما غشيهم، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم، وألزم الصحابة بصيامه متابعة لموسى عليه السلام، وشكرًا لله تعالى، فلما فرض الله شهر رمضان، نسخ ذلك الحكم، وأصبح صيامه سنة.

قال أبو العباس القرطبي: "ويمكن أن يقال: أذن الله تعالى له في صيامه، فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن الحامل لهم على صومه؟ فقالوا ما ذكره ابن عباس: إنه يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فنحن أحق وأولى بموسى منكم؛ فحينئذ صامه بالمدينة، وأمر بصيامه. أي: أوجب صيامه، وأكد أمره؛ حتى كانوا يُصَّومون الصغار، فالتزمه - صلى الله عليه وسلم - وألزمه أصحابه إلى أن فرض شهر رمضان، ونسخ وجوب صوم يوم عاشوراء، فقال إذ ذاك: إن الله لم يكتب عليكم صيام هذا اليوم، ثم خَيَّر في صومه وفطره، وأبقى عليه الفضيلة بقوله: وأنا صائم، كما جاء في حديث معاوية.

وعلى هذا: فلم يصم النبي - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء اقتداء باليهود؛ فإنه كان يصومه قبل قدومه عليهم، وقبل علمه بحالهم، لكن الذي حدث له عند ذلك إلزامه والتزامه استئلافًا لليهود، واستدراجًا لهم، كما كانت الحكمة في استقباله قبلتهم، وكان هذا الوقت هو الوقت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه." انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 192).

 قريش كانت تعظم يوم عاشوراء

قال ابن القيم: "لا ريب أن قريشا كانت تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون الكعبة فيه، وصومه من تمام تعظيمه، ولكن إنما كانوا يعدون بالأهلة، فكان عندهم عاشر المحرم، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجدهم يعظمون ذلك اليوم ويصومونه، فسألهم عنه فقالوا: هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق منكم بموسى فصامه، وأمر بصيامه تقريرا لتعظيمه وتأكيدًا، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكرا لله، كنا أحق أن نقتدي به من اليهود، لا سيما إذا قلنا: شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يخالفه شرعنا.

فإن قيل: من أين لكم أن موسى صامه؟ قلنا: ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه فقالوا: يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا لله، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم . فصامه وأمر بصيامه.

فلما أقرهم على ذلك ولم يكذبهم، عُلم أن موسى صامه شكرا لله، فانضم هذا القدر إلى التعظيم، الذي كان له قبل الهجرة، فازداد تأكيدا، حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في الأمصار؛ بصومه، وإمساك من كان أكل، والظاهر أنه حتم ذلك عليهم وأوجبه "، انتهى. " زاد المعاد " (2/ 67).

وانظر حول يوم عاشوراء وما يتعلق به: جواب السؤال رقم: (128633)، ورقم: (21775).

موسى عليه السلام صام عاشوراء شكراً لله على نجاته من فرعون وجنوده

لم نفهم معنى للسؤال: لماذا جعل الله يوم عاشوراء لموسى...؛ فإن كان عن الصيام: فقد شرع الله الصيام للأمة، أعظم مما شرع لمن قبلها، وشهر رمضان هو شهر رمضان.

وأما إن كان عن الشكر: فمعلوم: عمل النبي في الشكر لرب العالمين، وقيامه الليل حتى تتفطر قدماه، ويسأل عن ذلك، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟

وهكذا كان صوم موسى عليه السلام، ومن معه من المؤمنين: إنما كان شكرا لرب العالمين، أن أنجاهم من عدو الله فرعون وجنده بتلك الآية العظيمة، وصامه اليهود من بعد؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يكون الفرح بذلك على الحقيقة، والشكر لله على هذه النعمة، على الحقيقة: لعباد المؤمنين، وهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وهم أولى بموسى، وألصق به، ممن خالفه، ولم يلتزم شرعه، ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الأنبياء العهد على أقوامهم أن يؤمنوا به ويتبعوه.

ثم، إن الشرع لله، يشرع لعباده ما يشاء، ويختاره لهم، ويعطي بعض أنبيائه، ما لم يعط غيره، وهذا معلوم مقرر. قال الله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ القصص/68.

وقال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة/253.

وقال تعالى: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا الإسراء/55.

فإذا قدرنا أن صوم موسى لهذا اليوم، هو فضيلة خاصة من فضائله، عليه السلام، وتأكدت هذه الفضيلة بصوم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته لهذا اليوم، وتقرير أنهم أولى أن يشكروا النعمة على موسى، من غيرهم من الأمم؛ فهل يليق بالمسلم، أن يسأل ربه: لماذا فضل نبيه موسى، وخصه بتلك الخصوصية، دون من سواه من الأنبياء؟ وهل لهذا السؤال وجه في الحكمة، أو العقل، أو الشرع؟ أم هو باب من التكلف لما ينفع العبد شيئا في دينه ولا دنياه؟ وقد قال رب العالمين، يمجد نفسه سبحانه: فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ الأنبياء/22-23.

والله أعلم.