عنوان الفتوى : مكانة سليمان عليه السلام، وكفر من رماه بالسحر

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

جميعنا يعلم أن الله أعطى قدرات خارقة وقوة وسلطة لسيدنا سليمان ، وسخر له الرياح تجري بأمره ، وفهم منطق الحيوانات ، وكانت تحت إمرته جيوش من الإنس والجن ، وكانت الشياطن تخشاه ، وعاجزة عن إذائه ، وكانت تحترق إذا ما إقتربت منه ، وقد أرسله الله لتبليغ رسالته ، وكما نعلم لإظهار حقيقة السحر ، وكما تعلمون قصة كتب السحر التي كانت تحت عرشه ، وكانت الشياطين عاجزة عن إستخارجها إلا بعد وفاته ، حيث تمثل إبليس في هيئة رجل ، وأخبر الناس عن مكانها ، وأن سيدنا سليمان امتلك هذه آلقوة من هذه الكتب ، وأنه كان ساحرا ، ويتعامل مع الناس بالسحر ، فاستخرجها الناس ، وانتشر السحر إلى يومنا هذا ، وكما نعلم أن الله برأه في كتابه العزيز ، وقد صدقت الناس الشياطين عن جهل ، وشاهدت محتوى فيديو من يهود ناطقين بالفصحى ، محتواه يقول : حقيقة خاتم سليمان ، و من الواضح أنهم يريدون أن يوضحوا للناس أن سليمان عليه السلام كان يستعين بإبليس وجيوشه ، وكل هذا من الإسرائليات ، والطعن في أنبياء الله تعالى ، فما حكم من لم يكفرهم ويصدق كلامهم من المسلمين ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله 

أولًا :

قال "ابن تيمية" : " اتفق المسلمون على ما هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام وهو أنه يجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين ، وبجميع ما أنزله الله من الكتب .

فمن كفر بنبي واحد تُعلم نبوته ، مثل إبراهيم ولوط وموسى وداود وسليمان ويونس وعيسى : فهو كافر عند جميع المسلمين ؛ حكمه حكم الكفار .

وإن كان مرتدا : استتيب، فإن تاب ؛ وإلا قتل.

ومن سب نبيا واحدا من الأنبياء : قتل أيضا ، باتفاق المسلمين "، انتهى من "الجواب الصحيح" (2/ 371).

وقال في " الصفدية " (2/ 311): " والمسلمون آمنوا بهم كلهم ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ؛ فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب ، ومن كفر بواحد منهم ، فقد كفر بهم كلهم ، ومن سب نبيا من الأنبياء ، فهو كافر ، يجب قتله باتفاق العلماء وفي استتابته نزاع . قال تعالى: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )  البقرة/ 136.

وقال تعالى: ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) البقرة/ 177.

وقال تعالى: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) سورة البقرة/ 285-286 " انتهى .

وانظر جواب السؤال رقم : (159664).

ثانيًا:

" كانت الشياطين زمن سليمان قد سخرهم الله له، وبلَّغه أنهم يعلمون الناس السحر . فجمعهم وتوعدهم ، وأخذ كتبهم ودفنها.

فلما توفي سليمان ، عليه السلام ، جاءت الشياطين للناس وقالوا: إن ملك سليمان مشيد على السحر، واستخرجوا الكتب التي دفنها، وأشاعوا في الناس : أنها مأخوذة من سليمان، وأن سليمان ساحر، وروج ذلك طائفة من اليهود.

فبرأ الله سليمان من هذا الأمر، وبين أن السحر من العلوم الضارة فقال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ [البقرة: 102].

أي أنهم كفروا بتعليم السحر ، والرضا به.

وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة: 102].

وهذا من عظمة القرآن أنه يأمر الخلق بالإيمان بجميع الرسل، ويذكرهم بأوصافهم الجميلة وينزِّههم عما قاله الناس فيهم مما ينافي رسالتهم " انتهى بتصرف من "تيسير اللطيف المنان " (246).

والحاصل:

أن الله تعالى قد نزه نبيه سليمان عليه السلام عن الكفر، وعن تعليم السحر ، وذكر أن تعلم السحر من أكبر المضار ، وأنه يجر إلى الكفر .

قال ابن تيمية عن تنقص بعض أهل الكتاب لسليمان عليه السلام : " فإن كثيرا من اليهود والنصارى يطعنون فيه.

منهم من يقول: كان ساحرا، وأنه سحر الجن بسحره.

ومنهم من يقول: سقط عن درجة النبوة، فيجعلونه حكيما لا نبيا.

ولهذا ، ذكر الله في القرآن تبرئة سليمان عن ذلك، وذلك أن سليمان سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فسخر لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد؛ فسخر له الريح غدوها شهر، ورواحها شهر، ولما طلب من الملأ أن يأتوه بعرش (بلقيس) ملكة اليمن، وكان هو بالشام:

قَالَ: (يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) النمل/38-40  .

فلما مات سليمان عمدت الشياطين إلى أنواع من الشرك فكتبوها ووضعوها تحت كرسيه، وقالوا: كان سليمان يسخر الجن بهذا، فصار هذا فتنة لمن صدق بذلك ، وصاروا طائفتين:

طائفة علمت أن هذا من الشرك والسحر، وأنه لا يجوز، فطعنت في سليمان ؛ كما فعل ذلك كثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى.

وطائفة قالت: سليمان نبي، وإذا كان قد سخر الجن بهذا ، دل على أن هذا جائز. فصاروا يقولون ويكتبون من الأقوال التي فيها الشرك والتعزيم والإقسام بالشرك والشياطين - ما تحبه الشياطين وتختاره ، ويساعدونهم لأجل ذلك على بعض مطالب الإنس، إما إخبارا بأمور غائبة يخلطون فيها كذبا كثيرا، وإما تصرفا في بعض الناس، كما يقتل الرجل أو يمرض بالسحر، أو تسرق الشياطين له بعض الأموال، ونحو ذلك مما فيه إعانة الشياطين للإنس على أمور تريدها الإنس، لأجل مطاوعة الإنس وموافقتهم للشياطين على ما تريده الشياطين من الكفر والفسوق والعصيان.

وكثير منهم يضيف ذلك إلى سليمان ، وإلى " آصف بن برخيا " ، ويصورون خاتم سليمان، وقد يأخذون الرجل الذي صار من إخوانهم إلى مواضع ، فيرونه شخصا، ويقولون: هذا سليمان بن داود، كما قد جرى مثل ذلك لمن نعرفه من المشايخ الذين كانت تقترن بهم الشياطين، وكان لهم خوارق شيطانية من جنس خوارق السحرة والكهان .

فنزه الله تعالى سليمان من كذب هؤلاء ، وهؤلاء الذين جعلوه يسخر الشياطين بنوع من الشرك والسحر؛ هؤلاء جرحوه، وهؤلاء زعموا أنهم يتبعونه ، فقال تعالى :

(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)البقرة/102-103  "، انتهى من "الجواب الصحيح" (3/ 388 - 390).

ثالثًا :

من لم يقتنع بكفر الكافر في دين الله ؛ فما صدَّق ما أخبر الله تعالى به من كفرهم .

فالواجب على المؤمن أن يعتقد كفر من كفره الله تعالى ، كاليهود والنصارى ، وكمن سب نبيًا من أنبياء الله تعالى .

وانظر حول من لم يكفر الكافر الأصلي المعروف بكفره، جواب السؤال رقم : (6688).

وينظر أيضا للفائدة ، حول كفر اليهود والنصارى جواب السؤال رقم : (125952) .

على أنه لا يجوز التساهل في تكفير المسلم أو تفسيقه ، من غير حجة نبوية رسالية، ولا بينة واضحة من الأمر.

انظر جواب السؤال رقم : (85102) لمعرفة ضوابط التكفير، وجواب السؤال رقم : (220526).

والله أعلم