عنوان الفتوى : حول ما ذكر أن علي ابن ابي طالب تقد لخطبة أم المؤمنين زينب أو أم سلمة قبل زواجها من رسول الله صل الله عليه وسلم ..
ما مدى صحة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه كان قد تقدم لخطبة أم المؤمنين زينب رضي الله عنها قبل زاوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندما رفضته قال: اللهم زوجها خيرا مني ، وزوجني خيرا منها ، فزوجها الله لرسول الله صل الله عليه وسلم ، وتزوج هو من فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الحمد لله
أولا:
هذا الأثر بهذا اللفظ: لا أصل له عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يذكره أحد من أهل العلم أصلا ، فيما نعلم ، بإسناد ، أو من غير إسناد .
ولم يذكر أحد من أهل السير قط ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تقدم لخطبة زينب بنت جحش رضي الله عنها .
والثابت المشهور أن زينب بنت جحش رضي الله عنها زوجها النبي صلى الله عليه وسلم من زيد بن حارثة رضي الله عنه ، ثم طلقها زيد ، ثم زوج الله نبيه صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها .
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (7/221) :" مَشْهُورٌ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، وَهِيَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ عَمَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حَتَّى طَلَّقَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا " انتهى .
وتزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة ، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بعد طلاقها من زيد ، وانتهاء عدتها منه ، وذلك في السنة الخامسة ، وهذا معناه أنه لما طلق زيد بن حارثة زينب ، كان علي رضي الله عنه متزوجا حينها من فاطمة رضي الله عنها .
ثانيا:
مما انتشر أيضا، على مواقع التواصل الاجتماعي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تقدم لخطبة أم سلمة رضي الله عنها ، ولكنها لم تقبل ، فقال :" اللهم ارزق أم سلمة خيرا مني ، وارزقني خيرا منها ".
وهذا أيضا لا أصل له ، ولم يأت في السنة قط بإسناد صحيح أو ضعيف أن عليا تقدم لخطبة أم سلمة ، وإنما ورد أن أبا بكر وعمر تقدما لخطبة أم سلمة بعد وفاة زوجها أبي سلمة ، ولا يثبت ذلك أيضا .
وهذا أخرجه أحمد في "المسند" (26669) ، من طريق حماد بن سلمة ، قال حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، بِمِنًى ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ: "قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ ، فَلْيَقُلْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا ، وَأَبْدِلْنِي مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا . فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ ، قَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْنِي فِي أَهْلِي بِخَيْرٍ ، فَلَمَّا قُبِضَ ، قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي ، فَأْجُرْنِي فِيهَا. قَالَتْ: وَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: وَأَبْدِلْنِي خَيْرًا مِنْهَا ، فَقُلْتُ: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ، فَمَا زِلْتُ حَتَّى قُلْتُهَا ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّتْهُ ، ثُمَّ خَطَبَهَا عُمَرُ فَرَدَّتْهُ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِرَسُولِهِ .. ".
وإسناده ضعيف ، لأجل محمد بن عمر بن أبي سلمة ، فإنه مجهول . قال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (8/18) :" لا أعرفه " انتهى .
ثالثا:
الدعاء الذي أورده السائل معزوا إلى علي بن أبي طالب ، ورد عن أبي سلمة أنه قال نحوه عندما حضرته الوفاة .
وقد رُوي ذلك من طريقين :
الأول : أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4161) ، من طريق عجلان بن عبد الله ، من بني عدي ، عن مالك بن دينار ، عن أنس بن مالك ، قال : " لما حضر أبا سلمة الوفاة قالت أم سلمة : إلى من تكلني ؟ فقال : اللهم أبدل أم سلمة خيرا من أبي سلمة ، فلما توفي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني كبيرة السن قال : أنا أكبر منك سنا ، والعيال على الله ورسوله ، وأما الغيرة فسأدعو الله يذهبها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليها برحاتين ، وجرة الماء ".
وإسناده حسن ، لأجل عجلان بن عبد الله ، فإنه حسن الحديث ، قال فيه أبو زرعة كما في "الجرح والتعديل" (7/19) :" لا بأس به " انتهى .
الثاني : أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/88) ، من طريق عاصم الأحول ، عن زياد بن أبي مريم ، ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِأَبِي سَلَمَةَ: " بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوتُ زَوْجُهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ ، إِلَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَبَقِيَ الرَّجُلُ بَعْدَهَا.
فَتَعَالَ أُعَاهِدْكَ أَلَّا تَتَزَوَّجَ بَعْدِي وَلَا أَتَزَوَّجَ بَعْدَكَ .
قَالَ: أَتُطِيعِينِي؟
قُلْتُ: مَا اسْتَأْمَرْتُكَ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيعَكَ .
قَالَ: فَإِذَا مُتُّ ، فَتَزَوَّجِي .
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلًا خَيْرًا مِنِّي، لَا يُحْزِنُهَا وَلَا يُؤْذِيهَا .
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا الْفَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟
فَلَبِثْتُ مَا لَبِثْتُ ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَذَكَرَ الْخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيهَا ، أَوْ إِلَى ابْنِهَا ، وَإِلَى وَلِيِّهَا ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي ؟
قُلْتُ: ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ فَذَكَرَ الْخِطْبَةَ ، فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا: إِنْ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم ، فَزَوِّجْ .
فَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَتَزَوَّجَهَا ".
وإسناده صحيح ، فإن زياد بن أبي مريم ، وثقه الدارقطني ، كما في "سؤالات البرقاني" (164) .
وقد سمع زياد بن أبي مريم من أبي موسى الأشعري ، نصّ على ذلك البخاري في "التاريخ الكبير" (3/373) . وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه ، مات سنة 42 هـ ، أو 44 هـ ، وأم سلمة ماتت سنة 61هـ ، فإن كان زياد بن أبي مريم سمع من أبي موسى ، فسماعه من أم سلمة أولى .
ومشهور أن أم سلمة رضي الله عنها لما مات زوجها أبو سلمة ، قالت :" اللهمَّ أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها " ، وكانت تقول وأي المسلمين خير من أبي سلمة ؟! ، فأبدلها الله تعالى من هو خير من الناس جميعا ، أبدلها بزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحديث في ذلك أخرجه مسلم في "صحيحه" (918) ، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسو ل الله صلى الله عليه وسلم يقول : مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ القرة/156 ، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا ، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ ، فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ .
والحاصل:
أن ما أورده السائل من تقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه لخطبة زينب رضي الله عنها ، أو لخطبة أم سلمة رضي الله عنها ، وأنها رفضته ، فدعا الله أن يرزقه خيرا منه ، وأن يرزقه خيرا منها : ليس له أصل ، والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |