عنوان الفتوى : نبذة عن أم معبد الخزاعة، ووصفها للنبي
لقد سمعت كثيراً عن هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وعندما خرج من الغار هو والصديق رضي الله عنه مرا بخيمة في الصحراء تسكنها سيدة وزوجها وقد استراحا بعض الوقت عند هذه السيدة فهل كانت هذه السيدة مسلمة ومن هذه السيدة ولماذا كانت تعيش في هذا المكان وقد سمعت أنها قد وصفت النبي كاملا فهل لي أن أحصل على هذا الوصف وقصة هذه السيدة بالكامل؟ ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم على أم معبد الخزاعية في طريق هجرته مشهورة في كتب السيرة وبعض كتب السنة، وأم معبد أسلمت مع زوجها أبو معبد وقد ذكرهما الحافظ بن حجر في كتابه الإصابة من جملة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (أم معبد الخزاعية التي نزل عليها النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر مشهورة بكنيتها، واسمها عاتكة بنت خالد...) انتهى.
وقال أيضاً: (وفي آخره –أي حديث أم معبد، عند البغوي قال عبد الملك بلغني أن أم معبد هاجرت وأسملت، قال البخاري هذا مرسل. وأبو معبد مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم.) انتهى.
واسم أبي معبد -أكثم- قاله أبو الفتح الأزدي الموصلي في كتابه أسماء من يعرف بكنيته، وممن روى قصة أم معبد بطولها الإمام الطبراني في معجمه الكبير عن حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة وخرج منها مهاجراً إلى المدينة وهو وأبو بكر رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة رضي الله عنه ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحما وتمراً ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من لبن، قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين أن أحلبها، قالت: بلى بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح بيده ضرعها وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها فتفاحت عليه ودرت واجترت ودعا، بإناء يربض الرهط فحلب فيها ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم، ثم أراضوا ثم حلب فيها ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ثم بايعها وارتحلوا عنها. فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا ضحى مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب حيال ولا حلوبة في البيت، قالت: لا، والله إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثحلة ولم تزر به صعلة وسيم في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق فصل لا هذر ولا نزر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربع لا يأس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، فأصبح صوت بمكة علياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقي قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاهما بالهدى واهتدت به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لاتجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
عليه صريحا ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصدر ثم مورد
فلما أن سمع حسان بن ثابت بذلك شبب يجيب الهاتف وهو يقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمايتهم هاد به كل مهتد
وقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد>يسعد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
زاد موسى بن هارون في حديثه قال: وحدثناه مجاهد بن موسى عن عكرمه فقال لنا: لم تعبه ثحلة ولم تزر به صقلة، والصواب ثجلة وصعلة، الثجلة كبر البطن والصعلة صغر الرأس، يريد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن كبير البطن ولا صغير الرأس.
وقال لنا مكرم: في أشفاره عطف وفي صوته صهل وقال لنا مجاهد عن مكرم في أشفاره وطف وفي صوته صحل، والصواب وطف وهو الطول والصواب صحل وهي البحة, وقال لنا مكرم: لا يأس من طول، والصواب لا يتشنا من طول، وقال لنا مكرم: ولا عابس ولا معتد، وقال لنا مجاهد عن مكرم: لا عابس ولا مفند يعني لا عابس ولا مكذب.) انتهى.
والله أعلم.