عنوان الفتوى : حكم قول (اختيار الله)
هل يجوز استعمال لفظ اختيار الله ؟ مثل أن يقال : اختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك ، أم إن هذا لا يجوز في حق الله تبارك وتعالي ؛ لأن الله إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون ، والله يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ، أما الاختيار فهذا في حق العباد : ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ؟
الحمد لله
أولًا :
قال الله تعالى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ القصص/ 68 .
فأثبت الله لنفسه اختيارًا ، وهذا الاختيار هو نفس إرادته، ومشيئته ، سبحانه وبحمده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ : ( وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار) ، ثمَّ قَالَ: ( مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة ) . فَأخْبر أَنه يخلق مَا يَشَاء ويختار .
والاختيار فِي لُغَة الْقُرْآن : يُرَاد بِهِ التَّفْضِيل والانتقاء والاصطفاء ، كَمَا قَالَ : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى ) إِلَى قَوْله : ( وَأَنا اخْتَرْتُك فاستمع لما يُوحى ) [سُورَة طه 11 - 13]، وَقَالَ تَعَالَى : ( وَلَقَد نجينا بني إِسْرَائِيل من الْعَذَاب المهين ) [سُورَة الدُّخان 30] ، إِلَى قَوْله : ( وَلَقَد اخترناهم على علم على الْعَالمين وآتيناهم من الْآيَات مَا فِيهِ بلَاء مُبين ) [سُورَة الدُّخان 32 - 33] .
وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى : ( وَلَقَد آتَيْنَا بني إِسْرَائِيل الْكتاب وَالْحكم والنبوة ) الْآيَة [سُورَة الجاثية 16] وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا ) [سُورَة الْأَعْرَاف 155] .
وَمِنْه فِي الحَدِيث : ( إِن الله اخْتَار من الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة ، وَمن الشُّهُور شهر رَمَضَان ، وَاخْتَارَ اللَّيَالِي فَاخْتَارَ لَيْلَة الْقدر ، وَاخْتَارَ الساعات فَاخْتَارَ سَاعَات الصَّلَوَات ). رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي كتاب تشريف يَوْم الْجُمُعَة وتعظيمه عَن كَعْب الْأَحْبَار " انتهى من " جامع الرسائل " ، (1/ 138) - رشاد سالم .
واختيار الله تعالى تابع لعلمه ، كالمشيئة فإنها تابعة للعلم ، وعلم الله تعالى محيط ، كما قال سبحانه وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وقال: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا .
واختيار الله ، لا يشبه اختيار العبد بوجه ، كسائر صفات الله جل جلاله ، وأفعاله ، فاختياره لائق بكماله ، وجلاله، وتمام علمه ، سبحانه ، واختيار العبد يليق به ، ويلائم جله، ونقصه ، وظلمه ؛ فلهذا يقع في اختيار العبد : ما فيه جهل، ونقص، وظلم ، كما يقع فيه الخيرة ، وتوفيق الله له .
ثانيًا :
استخدم العلماء والأئمة هذه الكلمة " اختيار الله " ، ومن ذلك:
1- قال قتادة : " أعلم من اختيار الله عَزَّ وَجَلَّ لي ما يوجب حسن ظني " انتهى من " التفسير البسيط " (12/ 223).
2- وقال إبراهيم بن أدهم: " إذا بات الملوك على اختيارهم لأنفسهم، فبت على اختيار الله لك وارض به." انتهى من "بهجة المجالس" لابن عبد البر (239).
3- الإمام مالك ، ففي " مواهب الجليل " للحطاب (3/ 40):
" قَالَ ابْنُ مُسَدِّيٍّ فِي خُطْبَةِ مَنْسَكِهِ: وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ؟ قَالَ: أَحْرِمْ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَقَالَ: فَإِنْ زِدْتُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ، قَالَ وَمَا فِي هَذِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ إنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63] قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذَا؟ قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرَى أَنَّكَ أَصَبْتَ فَضْلًا قَصَّرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَرَى أَنَّ اخْتِيَارَكَ لِنَفْسِكَ فِي هَذَا، خَيْرٌ مِنْ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَكَ وَاخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " انْتَهَى.
4- قال ابن تيمية : " فَصل: في افتقار الإنسان إلى اختيار الله وتقديره .
جماع هذا أنك إذا كنت غير عالم بمصلحتك، ولا قادر عليها، ولا مريد لها كما ينبغي، فغيرك من الناس أولى ألا يكون عالما بمصلحتك، ولا قادرًا عليها، ولا مريدا لها، والله ـ سبحانه ـ هو الذى يعلم ولا تعلم، ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله العظيم " ، انتهى من " قاعدة جامعة في توحيد الله " (48).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |