عنوان الفتوى : هل استخدام الخميرة في العجين يجعله مسكرا؟
قرأت إجابتكم للسؤال الذي سألتُه، وهو
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما اعتمد عليه السائل في قوله: (مثبت علمياً أن الخميرة تجعل العجين مُسكرا ... ) فهذا القطع يحتاج إلى برهان، وكيف يكون ذلك والواقع يكذبه ؟!
وعلى افتراض أن مراد السائل بذلك أن عملية التخمر تحدث تفاعلات كيميائية، ينتج عنها في العجين كحول إيثيلي، وهو مسكر، فإن هذا لا يعني أن يكون العجين مسكرا! لأنه يكون مستهلكا في كمية العجين، ولا يكون له أثر في الإسكار، وحينئذ فلا إشكال.
وقد سئلت (اللجنة الدائمة للإفتاء) عن بيع الخل، وفيه 6% كحول ما حكم الدين فيها؟
فأجابت: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما أسكر كثيره، فقليله حرام » فإذا كان هذا الخل يسكر كثيره، فقليله حرام، وحكمه حكم الخمر، وإذا كان لا يسكر كثيره، بحيث إن نسبة الكحول تكون في غير الكحول، فلا يظهر لها أثر، فلا مانع من بيعه، وشرائه، وشربه. اهـ.
وعلى أية حال، فإن أهم ما يعنينا هنا هو: من قال من أهل العلم قديما، أو حديثا بحرمة وضع الخميرة في العجين، مع شهرة استعمالها في مختلف البلدان ؟!
وجدير بالسائل إن لم يجد قائلا بهذا القول، أن يريح نفسه من عناء البحث، وطول النظر، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة. فضلا عن نص بعض أهل العلم على الجواز. وقد أساء السائل في قوله: (فتاوى العلماء السابقة في هذا الباب لا تتناول هذه المعلومات الحسّاسة).
وقد أشرنا في جواب سؤالك السابق في الفتوى رقم: 291211 إلى ما يثبت استعمال الخميرة في العجن. وأردنا بذلك لفت انتباهك إلى قدم استعمالها دون نكير من أهل العلم، فكان عجيبا من السائل أن يقول بعد ذلك: (وتسمية العجين بالخمير، لا يثبت استعمال الخميرة فيه)! ولا ندري على أي كتاب من كتب اللغة اعتمد السائل. ثم ما هو سبب تسمية العجين بالخمير، إن لم يكن سببه وضع الخميرة فيه؟!
وأما دعوى السائل بأن هذه المعلومات تشير إلى أن العرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكلوا الخبز اللين الذي توضع فيه الخميرة ـ فعجيبة!
وعلى افتراض صحة ذلك، فلا يعني أنهم لم يعرفوها. وعلى أية حال فالروايات في ذلك إنما تتناول خصوص حال النبي صلى الله عليه وسلم، وتقلله من الدنيا، وزهده فيها. وقد جمعت هذه الروايات بين الخبز المرقق وغيره، مما هو معلوم قطعا عند العرب ومستعمل عندهم، كالشاة المشوية، والأكل على الخوان، والمنخل، ففي صحيح البخاري عن قتادة قال: كنا عند أنس، وعنده خباز له، فقال: "ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا، ولا شاة مسموطة حتى لقي الله". وفي رواية أخرى: "ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط". وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه، وننفخه فيطير ما طار، وما بقي ثريناه فأكلناه. رواه البخاري.
قال ابن حجر في (فتح الباري): قوله "النقي" بفتح النون، أي خبز الدقيق الحوارى، وهو النظيف الأبيض. اهـ.
والله أعلم.