عنوان الفتوى : توبة الساحر.. في ميزان الشرع
عندي سؤال حيرني ولم أجد من يجيبني، فأرجو منكم الإجابة، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله من مطالعة كتب السحر، وعن محاولة العمل به، وانظر الفتوى رقم: 109041، وتوابعها.
وتوبة الساحر -إذا استوفى شروط التوبة- مقبولة -إن شاء الله-؛ على خلاف وتفصيل بيناه بالفتويين: 5523، 5960.
ولا خلاف بين العلماء في أن توبته مقبولة في الباطن تنفعه في الآخرة؛ قال ابن قدامة في المغني: فصل: وهل يستتاب الساحر؟ فيه روايتان؛ إحداهما: لا يستتاب. وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحرًا، وفي الحديث الذي رواه هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، أن الساحرة سألت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم متوافرون، هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحد. ولأن السحر معنى في قلبه، لا يزول بالتوبة، فيشبه من لم يتب. والرواية الثانية: يستتاب، فإن تاب قبلت توبته؛ لأنه ليس بأعظم من الشرك، والمشرك يستتاب، ومعرفته السحر لا تمنع قبول توبته، فإن الله تعالى قبل توبة سحرة فرعون وجعلهم من أوليائه في ساعة، ولأن الساحر لو كان كافرًا فأسلم صح إسلامه وتوبته، فإذا صحت التوبة منهما صحت من أحدهما، كالكفر، ولأن الكفر والقتل إنما هو بعمله بالسحر، لا بعلمه، بدليل الساحر إذا أسلم، والعمل به يمكن التوبة منه، وكذلك اعتقاد ما يكفر باعتقاده، يمكن التوبة منه كالشرك. وهاتان الروايتان في ثبوت حكم التوبة في الدنيا، من سقوط القتل ونحوه، فأما فيما بينه وبين الله تعالى، وسقوط عقوبة الدار الآخرة عنه، فتصح، فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ومن تاب إلى الله قبل توبته، لا نعلم في هذا خلافًا. انتهى.
على أن ما ذكرت لا يدخل في وصف الساحر الذي يلزمه الحد؛ قال ابن قدامة في المغني: فصل: والسحر الذي ذكرنا حكمه هو الذي يعد في العرف سحرًا، مثل فعل لبيد بن الأعصم، حين سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- في مشط ومشاطة. ... فهذا وأمثاله، مثل أن يعقد الرجل المتزوج فلا يطيق وطء زوجته، هو السحر المختلف في حكم صاحبه، فأما الذي يعزم على المصروع ويزعم أنه يجمع الجن، ويأمرها فتطيعه، فهذا لا يدخل في هذا الحكم ظاهرًا. وذكره القاضي وأبو الخطاب في جملة السحرة. ثم ذكر أقوالًا للسلف، ثم قال: فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه، لم يدخلوا في حكم السحرة؛ ولأنهم لا يسمون به، وهو مما ينفع ولا يضر. انتهى.
وإذا رأى الناس من هذا الرجل العودة إلى الاستقامة؛ فليعينوه، ولا ينبغي أن يكونوا عونًا للشيطان عليه، لا سيما وأن الحالة المذكورة لم يُذكر فيها الاستعانة بالشياطين والجن، أو امتهان القرآن، ونحو ذلك.
والله أعلم.