عنوان الفتوى : هل تحرم زوجة الأب من الرضاع وزوجة الابن من الرضاع؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لقد رضعت من زوجة أخي، وأصبحت أمي من الرضاعة، وأخي أصبح أبي من الرضاعة، فإذا تزوجت هل يجوز لأخي الذي هو أبي من الرضاعة أن يرى زوجتي؟ وهل يجوز لي أن أرى جميع زوجاته، علماً بأنه متزوجاً من أربع؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

القاعدة فيما يحرم بسبب الرضاع، هي الكلمة الجامعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ رواه البخاري (2645)، واللفظ له ومسلم (1444) .

وبما أنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر المحرمات بالمصاهرة، وإنما ذكر المحرمات بالولادة، فقد اختلف العلماء : هل تحرم زوجة الأب من الرضاع ، وزوجة الابن من الرضاع وغيرهما ، كما يحرم مثل ذلك في النسب أم لا؟ على قولين:

القول الأول:

أنها تحرم ، وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

ففي "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (3/101) يقول: "ما يحرم بالنسب، والصهرية: يحرم بالرضاع؛ للآية والحديث" انتهى.

وفي "القوانين الفقهية" لابن جزي المالكي (ص: 138) " وَأما الصهر: فَيحرم بِهِ أَربع نسْوَة ، ثَلَاث بِالْعقدِ، دخل بِهن أَو لم يدْخل ، وَهن زَوْجَة الْأَب من النّسَب وَالرّضَاع ، وَإِن سفل ، وَزَوْجَة الْأَب وَالْجد من النّسَب وَالرّضَاع، وَإِن علا ، وَأم الزَّوْجَة من النّسَب وَالرّضَاع وَإِن علت..." انتهى.

وفي "روضة الطالبين وعمدة المفتين" للإمام النووي الشافعي رحمه الله (7/ 111): "وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ الْأَبِ مِنَ الرَّضَاعِ" انتهى.

وكذا في "العزيز" للرافعي رحمه الله (8/ 34) قال: "ويستوي في التَّحْرِيمِ أُمَّهَاتُ النَّسَبِ والرَّضَاعِ...

ويشمل التحريم حَلاَئِلَ الأَحفَادِ وإن سَفَلُوا، وسواءٌ كانوا من النَّسَبِ، أو مِنَ الرَّضَاع، والمقصود منَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ النساء: 23، بَيَانُ أنَّه لا يَحْرُمُ عَلَى الإِنْسَانِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ" انتهى.

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (36/ 217):

"ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ، مَا يَحْرُمُ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّضَاعَ يُنْشِئُ صِلَةَ أُمُومَةٍ وَبُنُوَّةٍ بَيْنَ الْمُرْضِعِ وَالرَّضِيعِ، فَتَكُونُ الَّتِي أَرْضَعَتْ كَالَّتِي وَلَدَتْ، كُلٌّ مِنْهُمَا أُمٌّ، فَأُمُّ الزَّوْجَةِ رَضَاعًا كَأُمِّهَا نَسَبًا، وَبِنْتُهَا رَضَاعًا كَبِنْتِهَا نَسَبًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ زَوْجُ الْمُرْضِعِ أَبًا لِلرَّضِيعِ، وَالرَّضِيعُ فَرْعٌ لَهُ، فَزَوْجَةُ الأْبِ الرَّضَاعِيِّ كَزَوْجَةِ الأْبِ النَّسَبِيِّ، وَزَوْجَةُ الاِبْنِ الرَّضَاعِيِّ كَزَوْجَةِ الاِبْنِ النَّسَبِيِّ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ" انتهى .

واستدلوا بعموم قوله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ النساء: 22 فالآية تشمل الأب سواء من النسب أو من الرضاع.

وكذا قوله تعالى: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ النساء: 23

قالوا ولفظ "الأبناء" يشمل النسب والرضاع.

وقالوا عن مفهوم قوله تعالى "من أصلابكم" إنما هو لإخراج أبناء التبني فيبقى النسب والرضاع، على التحريم.

القول الثاني:

الرضاع لا يؤثر في المصاهرة، فلا تحرم على الابن زوجة أبيه من الرضاع، ولا تحرم على الأب زوجة ابنه من الرضاع؛ لقوله تعالى : وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ  النساء/23 ، وهذا الابن ليس من صلبه؛ فلا تحرم زوجته على أبيه من الرضاعة .

وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله:

"وتحريم المصاهرة لا يثبت بالرضاع، فلا يحرم على الرجل نكاح أم زوجته وابنتها من الرضاع، ولا يحرم على المرأة نكاح أبي زوجها وأمه من الرضاع" انتهى من "المستدرك على الفتاوى" (4/160) .

واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله ، ينظر جواب السؤال: (40401 ) .

وقد أجاب الجمهور عن الآية بأن مفهومها يراد به إخراج أبناء التبني؛ فيبقى النسب والرضاع .

ورد هذا الاستدلال ابن القيم رحمه الله فقال –وقد أطال في هذه المسألة-:

"وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ إِذَا أُطْلِقَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ ابْنُ الرَّضَاعِ، فَكَيْفَ إِذَا قُيِّدَ بِكَوْنِهِ ابْنَ صُلْبٍ، وَقَصْدُ إِخْرَاجِ ابْنِ التَّبَنِّي بِهَذَا، لَا يَمْنَعُ إِخْرَاجَ ابْنِ الرَّضَاعِ" انتهى من "زاد المعاد" (5/498).

والأحوط في نحو هذه المسألة في باب الخلطة والستر ونحو ذلك: أن تحتجب زوجة كل منكما عن الآخر، عملا بقول ابن تيمية، وخروجا من خلافه.

وفي باب محرمات النكاح: تبقى محرمية النكاح ، فلا تحل لك زوجات أبيك من الرضاع، ولا تحل زوجتك لأبيك من الرضاع، عملا بقول الجمهور ، وهذا ما وجه به الشيخ ابن عثيمين في بعض فتاويه.

ولو عمل المرء بقول جمهور الفقهاء مطلقا، سواء في الرؤية أو النكاح: لم ينكر عليه؛ فهذا مهيع واسع؛ كيف وهو قول جماهير أهل العلم؟!

ينظر جواب السؤال: (45620).

والله أعلم