عنوان الفتوى : السبب في اختلاف بعض ألفاظ الآيات المنسوخة
قرأت في الموقع إجابات عن أسئلة متعلقة بالسور المنسوخة من القرآن الكريم ، وأخص بالذكر سورة التراب ، وقد ذكرتم أحاديث مختلفة ، وقلتم : إنها صحيحة ورد فيها الآيات المنسوخة ، ما أثار تساؤلي هو أن المتون فيها إختلاف فكيف تكون الأحاديث صحيحة ، وهي تذكر متونا مختلفة عن السورة؟
الحمد لله.
مما نسخت تلاوته: هذه الآية: لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ .
وذلك لما روى مسلم (1050) عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قال : " إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا : لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (176972) .
قال ابن حزم رحمه الله في بيان أنواع النسخ: " نسخ الخط والحكم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة؛ ما أحفظ منها إلا هذه الآية: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ، ولو أن له ثالثا لابتغى إليه رابعا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب)" انتهى من "الناسخ والمنسوخ" لابن حزم، ص9 .
ولعل السبب في اختلاف الألفاظ التي حكيت بها هذه الآية: أنها لما نسخت، ولم تعد قرآنا، تساهل الرواة في ألفاظها، ولم يضبطوها كما يضبطون القرآن، أو كما يضبطون حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يريدون تبليغه لمن بعدهم. ألا ترى أبا موسى الأشعري رضي الله عنه يقول: " َإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا...".
فالصحابة كانت هممهم تتوافر على حفظ ما هو ثابت، ليبلغوه للناس، وأما المنسوخ فعنايتهم به قليلة، فحسبهم وحسب من روى عنهم أن يرووه جُملة، أو يرووه بالمعنى، أو مع التساهل في ضبط بعض ألفاظه، لا سيما أنه منسوخ التلاوة والحكم؛ فلو كان فيه حكم باق، لاهتموا به لأجل تطبيقه.
قال القاضي عياض رحمه الله: " ثم تأمل ما يذكره الصحابة مما نسخ من ذلك، فإنما أَتَوْا به على المعنى، وبعض اللفظ؛ لا على نص المعجز.
وسياق نظم القرآن يشهد لما ذكروه من ذلك، وبُعْدِه عن نظم القرآن وبلاغته" انتهى من "إكمال المعْلم بفوائد مسلم" (3/ 585).
ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مضمون هذه المعاني، في مناسبات بألفاظ متعددة، على أنه حديث نبوي ، فاختلطت هذه الألفاظ بلفظ الآية المنسوخة ، لما سبق من أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يوجهون عنايتهم لحفظ الآيات التي نسخ لفظها ، ولهذا قال أنس: "فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ أُنْزِلَ، أَمْ شَيْءٌ كَانَ يَقُولُهُ" رواه مسلم (1048).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
السبب في اختلاف بعض ألفاظ الآيات المنسوخة |