عنوان الفتوى : أيهما أعظم حق الوالدين أم حق الزوج؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

الإسلام دين عظيم، لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أوردها، وبالتالي لم يهمل أهم عوامل المجتمع وهي الأسرة، حيث وضع لها التنظيم الدقيق والحسن، من هنا جاء حق النفقة، ووجوبها على الزوج، وبذات الوقت جعل حقه على الزوجة، وطاعتها له أول أولوياتها بعد طاعته عز وجل وطاعة رسوله، حتى إنها قُدمت على طاعة الوالدين اللذين ذكرهما عز وجل في كتابه بالإحسان إليهم عقب ذكر عبادته. وأسئلتي: هل فضل الوالدان أعظم أم فضل الزوج؟ وأنا هنا أقول الفضل وليس الحق، لأنه من الطبيعي أن يقدم حق الزوج لما فيه من حفظ كيان الأسرة، لكن هنا أسأل. 1- حب الوالدان حب غير مشروط أبدًا، وهما الوحيدان في العالم اللذان سيحبان ابنهما أو بنتهما وسيقدمان لهما كل شئ دون انتظار أي مقابل، بل كل ما سيريدانه من الأولاد هو مصلحتهم، وتعليمهم، وتفوقهم في الحياة، حتى وإن كان الطفل عديم الفائدة في بيته، وحتى وإن أخطأ، فهما يظلان يحبانه، ويعتنيان به، ويقدمان له النفقة والحب. 2- في المقابل حب الزوج هو حب مشروط، يقوم على تبادل المنفعة، أي على خدمة الزوجة له وطاعتها له، وإذا ما تركت تلك الطاعة ترك نفقتها، وما إلى ذلك، وما إن أخطأت قد يصل الأمر للطلاق، أي أنه حب وتقديم للرعاية والنفقة بمقامل منتظر، وهذا طبيعي. وربما من هنا أيضًا وجب تقديم طاعة الزوج إذا تعارضت مع طاعة الأبوين، هما لن يكرها ابنتهما مما حصل وحدث، وعلى النقيض من الزوج فقد يدمر هذا بيت الأسرة، والإسلام دين يحفظ البيت وكيانه، ويحفظ الأسرة ليحفظ المجتمع من الفساد. وهنا أعيد سؤالي أيهما أعظم فضل الوالدان أم الزوج؟ الفضل وليس الحق فلربما حق الزوج الذي أصبح فوق حق الوالدين يعد من قبيل الحفاظ على الأسرة كذلك، مع عدم إنكار حق الزوج وفضله.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا:

حق الوالدين وفضلهما آكد من حق الزوج وفضله

لا شك أن حق الوالدين وفضلهما آكد من حق الزوج وفضله، وذلك من أوجه:

الوجه الأول: أن حق الوالدين ثابت بسبب متأصّل لا يزول وهو الرّحم فلا يسقط بحال ولو بموت أحدهما، إلا بردّة الوالد وخروجه من الإسلام.

أمّا حق الزوج فهو حق عارض بسبب العقد والميثاق الذي بينهما؛ فإذا حلّ هذا الميثاق، بطلاق أو خلع أو فسخ أو موت سقط حق الطاعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقا: من خدمة، وسفر معه، وتمكين له، وغير ذلك، كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث "الجبل الأحمر" وفي "السجود" وغير ذلك؛ كما تجب طاعة الأبوين؛ فإن كل طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزوج؛ ولم يبق للأبوين عليها طاعة: تلك وجبت بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 260 - 261).

الوجه الثاني: كما أن حق الزوج ثبت بسبب العقد والميثاق، فإنه إذا قصّر الزوج أو ظلم أو فسق، جاز للزوجة أن تسقط طاعته بطلب حلّ هذا الميثاق بالخلع.

أمّا الوالدان فبرّهما متأصل لا يمكن إسقاطه بسبب صدور نوع تقصير أو ظلم أو فسق منهما، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:   وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ   لقمان/14 – 15.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 381).

الوجه الثالث: حق الزوج يختص بحال قيام الزوجية، وأمّا حق الوالدين وبرهما فيستمر إلى ما بعد موتهما.

قال الله تعالى:   وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا  الإسراء/23 - 24.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ: " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ؟

قَالَ: بَلَى.

فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ.

فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللهُ لَكَ! أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ!

فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ، وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ" رواه مسلم (2552).

ثانيا:

السبب في تقديم طاعة الزوج بالمعروف على طاعة الوالدين

تقديم طاعة الزوج بالمعروف على طاعة الوالدين؛ ليس لأن الزوج أعلى مكانة من الوالدين؛ بل لأن طاعته بالمعروف ثبتت بميثاق وعهد وعقد؛ ولا يجوز للمسلمة أن تنقض عهدا وميثاقاً غليظا، ولأن نظام الأسرة لا يستقيم إلا بذلك كما ذكرت.

قال الله تعالى:   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ  المائدة/1.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ   رواه أبو داود (3594)، ورواه الترمذي (1352) من حديث عمرو بن عوف.

فإذا أمر الوالد ابنته بما يلزم منه عدم طاعتها لزوجها بالمعروف ، فقد أمرها بنقض هذا الميثاق والعقد؛ وهو أمر بمعصية؛ ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:   لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ  رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840)، ورواه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 318) بلفظ:  لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ  .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (35533)، ورقم:(5326)، ورقم:(225066). 

والله أعلم.