عنوان الفتوى : معنى قوله تعالى في الحديث القدسي عن عبده المؤمن : ( يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ).

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أبحث عن حديث قدسي : (من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب .....الخ ) ، ولكن سمعت أنه يوجد برواية أخرى في نهاية الحديث ، وهي : (يكره الموت ، وأنا أكره إساءته ، وﻻ بد منه) علما أنه في "صحيح البخاري" الحديث رقم : (6502) مكتوب في نهايته : (وأنا أكره مساءته فقط) ، فهل توجد رواية أخرى ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله

روى الإمام البخاري في "صحيحه" (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ .

وهكذا رواه ابن حبان في "صحيحه" (347)، والبيهقي في "سننه" (20980)، من حديث أبي هريرة.

ورواه الإمام أحمد (26193) ، والطبراني في "الأوسط" (9352) وابن أبي عاصم في "السنة" (414) والبزار في "مسنده" (99) من حديث عائشة .

ورواه الطبراني في "الكبير" (12719) من حديث ابن عباس ، وأبو نعيم في "الحلية" (8/318)، والبغوي في "تفسيره" (4/148) من حديث أنس ، وأبو يعلى – كما في "المقصد العلي" (2022) من حديث ميمونة ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/218)، عن حسان بن عطية من قوله .

كلهم بلفظ:   يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ  .

ورواه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 5) من نفس طريق البخاري، بلفظ : ( يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ إِسَاءَتَهُ ، أَوْ مسَاءَتَهُ ) هكذا على الشك .

ورواه الثعلبي في "تفسيره" (8/ 318) من حديث أنس ، ولفظه : ( يكره الموت، وأنا أكره إساءته ).

ورواه الشجري في أماليه- كما في "ترتيب الأمالي" (2446)، من حديث أنس ، ولفظه : ( يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مَمَاتَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ ).

وقال الحافظ رحمه الله:

" زَاد ابن مخلد عَن ابن كَرَامَةَ فِي آخِرِهِ : ( وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ) ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ وَهْبٍ " انتهى من"فتح الباري" (11/ 346) .

ويقصد بحديث وهب: ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (4/ 32) عن وَهْب بْن مُنَبِّهٍ، قَالَ: " إِنِّي لَأَجِدُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: «مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ ، وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَابُدَّ لَهُ مِنْهُ ".

ووقعت هذه الزيادة ( وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ) في رواية أبي نعيم (8/318) ، والبغوي في "تفسيره" (4/ 148) من حديث أنس ، وعند ابن عساكر في "معجمه" (1438) وغيره ، من حديث أبي هريرة ، وعند الخطيب في "تاريخه" (18/ 123)، من حديث عائشة .

فيتبين مما تقدم :

- أن زيادة :   وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ  وردت من طرق متعددة ، منها الطريق الذي روى البخاري الحديث منه .

- أن رواية   يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ  ، هي الأكثر والأشهر ، فهي الأصح.

مع أن رواية : ( أكره إساءته ) وكذا رواية : ( أَكْرَهُ مَمَاتَهُ ) ، لا تخالفها ، بل توافقها في الجملة ، لأن مرد الروايات واحد ، وهو أن المعنى: أن العبد المؤمن يكره الموت ، والرب تعالى يكره المساءة التي تحصل له بالموت، والتي تحصل له بغيره ، ولكنه لا بد له من الموت، لما يترتب عليه من الخير والفضل والحكم العظيمة للرب تعالى، فهو سبحانه يكره الموت من وجه، لأنه يسوء عبده المؤمن، وهو يكرهه، ويحبه من وجه ، وهو أنه يقلبه إليه في دار الخلد في جنات النعيم ، وهذه حقيقة التردد الوارد في الحديث .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَالرَّبُّ يَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَ عَبْدَهُ وَمَحْبُوبَهُ، فَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكْرَهَ الْمَوْتَ، لِيَزْدَادَ مِنْ محاب مَحْبُوبِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ قَضَى بِالْمَوْتِ، فَكُلُّ مَا قَضَى بِهِ فَهُوَ يُرِيدُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، فَالرَّبُّ مُرِيدٌ لِمَوْتِهِ لِمَا سَبَقَ بِهِ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَارِهٌ لِمسَاءَةِ عَبْدِهِ، وَهِيَ الْمسَاءَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ بِالْمَوْتِ، فَصَارَ الْمَوْتُ مُرَادًا لِلْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ، مَكْرُوهًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّرَدُّدِ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُرَادًا مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَرَجُّحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَرَجَّحَ إرَادَةُ الْمَوْتِ؛ لَكِنْ مَعَ وُجُودِ كَرَاهَةِ مسَاءَةِ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ إرَادَتُهُ لِمَوْتِ الْمُؤْمِنِ ، الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَكْرَهُ مسَاءَتَهُ ، كَإِرَادَتِهِ لِمَوْتِ الْكَافِرِ الَّذِي يُبْغِضُهُ وَيُرِيدُ مُسَاءَتَهُ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 131) .

وقال أيضا :

" فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا كَرِهَ مسَاءَةَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَكْرَهُ الْمَوْتَ، كَانَ هَذَا مُقْتَضِيًا أَنْ يَكْرَهَ إمَاتَتَهُ مَعَ أَنَّهُ يُرِيدُ إمَاتَتَهُ؛ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى " .

انتهى من"مجموع الفتاوى" (10/ 483) .

وقال القاري رحمه الله:

" (وَأَنَا أَكْرَهُ مسَاءَتَهُ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ: إِيذَاءهُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ صُعُوبَةِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: أَكْرَهُ مَا يَسُوءُهُ؛ لِأَنِّي أَرْحَمُ بِهِ مِنْ وَالِدَيْهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِيَنْتَقِلَ مِنْ دَارِ الْهُمُومِ وَالْكُدُورَاتِ إِلَى دَارِ النَّعِيمِ وَالْمَسَرَّاتِ " .

انتهى من"مرقاة المفاتيح" (4/ 1546) .

وينظر السؤال رقم : (102377) .

والله تعالى أعلم.