عنوان الفتوى : نهج ابن تيمية فيمن فعل من أهل الإسلام أمرا مبتدعا

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لقد قرأت في صفحاتكم تحريم المولد والشيخ ابن تيمية أجاز عمل المولد في كتابه المسمى : اقتضاء الصراط المستقيم في ص 297 فقال: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم .فلم أفتيتم بتحريمه؟ الأصل في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى عن اتباع النبي : وعظموه. فالمولد من تعظيم النبي؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الثابت عن شيخ الإسلام ابن تيمية هو القول بأن: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع المحدثة التي لم يفعلها أحد من السلف الصالح، وقد نص على هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتبه. ومن ذلك ما قرره في مجموع الفتاوى 25/298 حيث قال: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. انتهى.
بل قد نص في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم نفسه على بدعيته، وذلك في معرض كلامه عن اتخاذ الأعياد المبتدعة حيث قال: وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً، أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع؛ وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه. كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً. انتهى.
ولا تعارض بين قوله ببدعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجائه أن يثاب فاعله بحسن قصده؛ لأن نهج ابن تيمية الذي سار عليه هو رجاء الأجر والثواب للمسلم بحسن نيته وقصده في مثل هذه الأمور التي قد يلتبس فهم الحكم فيها على كثير من المسلمين بسبب الجهل أو التأويل، ويعرف هذا من اطلع على كتبه، فهاهو يقول في مجموع الفتاوى 12/494 في معرض كلامه عن التكفير: فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً إما لأنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنىً آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها. انتهى.
فهذا نهجه في التماس العذر لمن فعل من أهل الإسلام بدعة أو أمراً مكفرًا، لكن لديه شبهات ونوع تأويل قد حال بينه وبين معرفة الحق، فلا يقال حينئذ بأن ابن تيمية قد أقر هذه البدعة أو هذا الأمر الذي يؤدي إلى الكفر، ففرق بين هذا وذاك.
ثم إن القول بأن الاحتفال بالمولد أصله تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم قول مردود؛ لأن أكثر الناس محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له هم صحابته رضوان الله عليهم ولم يفعلوا ذلك، بل كان تعظيمهم له باتباع سنته والاهتداء بهديه والوقوف عند شرعه.
قال ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم وهو يتحدث عن الاحتفال بالمولد: فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرًا محضاً أو راحجاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. انتهى.
فتبين بهذا أن الاحتفال بالمولد بدعة لا شك فيها، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يقل بجوازه، وما أحسن قول من قال:
وكل خير في اتباع من سلف ===== وكل شرٍ في ابتداع من خلف
وفي ختام: هذا الجواب ننبه الأخ السائل إلى أنه لا توجد آية في كتاب الله باللفظ الذي ذكره: "وعظموه" لكن وردت آيات تفيد هذا المعنى كقوله تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]، ومعنى عزروه: عظموه ووقروه.
والله أعلم.