عنوان الفتوى : إقرار المشركين بالربوبية
طالب علم من الغرب مثلي كنت أحسبه من المجتهدين في طلب العلم، إلا أنه بدأ ينسب أخطاء إلى محمد بن عبد الوهاب على أنه كفر المسلمين وسفك دماءهم بعد ما كان يشجع على قراءة كتبه، وقال إنه كان على خطأ، وإن كانت بعض الكتب من الشيخ جيدة في رأيه، يقول إنه وقع في أخطاء خطيرة، فيقول الشيخ ما كان يفهم العبادة الصحيحة، وأن مشركي العرب كانوا مشركين في الربوبية، وأنه ليس لنا أن نأخذ من ابن كثير، حيث قال إنهم كانوا موحدين في الربوبية مشركين في الألوهية، ويدعي أني قلت إن السبكي والهيتمي لم يفهما توحيد الألوهية مثل أبي جهل وأبي لهب؛ لأنهما أتيا بآية تؤيد ما قالا في ظنهم في سورة: 23 الآية رقم: 91.فقال هذه الآية رد على القول بأن مشركي العرب كان لهم توحيد في الربوبية، وزعم أن شركهم كان في القسمين نصف في الربوبية ونصف في الألوهية، وإذا اعترضت عليه يستسخر ويقول لماذا لا تتبع الدليل على حسب علماء نجد؟ فقال لي صديق آخر أنت تعلم أن عقيدة محمد بن عبد الوهاب كانت صحيحة، وأني أموت على ذلك بدون تدخل في الموضوع، وشكرته على نصيحتي، وأريد إشارة إلى ما يهمني، فأنا إنسان مذنب، ولا أريد أن أكون عبرة للآخرين، أريد أن أكون قدوة، وأخشى أنه فات الأوان.بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلمنا بالفتاوى التالية: 54051، 38579، 5408، على ما يذكره بعض الناس من نسبة التكفير للإمام محمد بن عبد الوهاب مع بيان فضله وسلامة منهجه وثناء العلماء عليه.
وأما عن الربوبية، فإن المشركين كانوا يقرون بالربوبية -على خلل في ذلك كما سيأتي-، ومن ذلك إيمانهم بالخلق؛ كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {لقمان:25}.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يقول الله تعالى مقررًا أنه لا إله إلا هو؛ لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده، ومقدر آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم، فَفاوت بينهم، فمنهم الغني ومنهم الفقير، وهو العليم بما يصلح كلاً منهم ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء، المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك، فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه، فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراض بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.. انتهى.
وقال ابن كثير أيضًا عند تفسير قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ {يوسف:106}، قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون به، وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. اهـ.
ولكن هذا الإيمان بالربوبية لم يكن كاملًا؛ بل كان عندهم شك في قدرة الله تعالى، ولذا أنكروا البعث، وكانوا يئدون البنات، وينسبون الأمطار لبعض الأنواء.
وهذا الأمر كان معروفاً عند ابن كثير والشيخ محمد عبد الوهاب؛ ولذا تكلم في كتاب التوحيد عليه.
والذي ننصحك به أن تحرص على تعلم العلم الشرعي، واتباع ما تدل عليه نصوص الوحيين، مع تحري فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهذا هو الذي كان عليه ابن كثير وابن عبد الوهاب وكثير من علماء نجد، مع أنا لا ندعي لهم العصمة في كل شيء؛ لكن الأغلب في حالهم هو تحري الدليل والتمسك به والدعوة إليه.
والله أعلم.