عنوان الفتوى : مدى علاقة الأفكار المرضية بالتطير والتشاؤم
كنت صغيرا 10 سنين وكنت ألعب بالكرة، وفجأة دخلت علي ابنة خالتي وهي تبكي ثم صرخت في لائمة لي وقالت: أتلعب وأبوك مات؟ ومن ساعتها أصبت بحالة نفور من اللعب وشعور بالذنب، وأصبح عندي إحساس أني أنا السبب في موت أبي، وأن أبي مات لأني كنت ألعب، وظل هذا الإحساس عندي لدرجة أني قبل البلوغ كنت ألعب وإذا جاءني إحساس الخوف أتحجج من داخلي أني غير مكلف ولن أعاقب ولن يموت أحد، لكن بعد البلوغ تفر نفسي من كل مظاهر اللعب والفرح اعتقادا أني لو فعلت ذلك سأعاقب بأن أحد أحبابي سيموت كما مات أبي. وأصبت باكتئاب أتعالج منه حتي الآن، هل هذا الربط الذي حدث في نفسي بين الفعل الذي كنت أفعله عندما سمعت الخبر ونفوري منه وخوفي من فعله حتى الآن من التشاؤم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أنه لا علاقة لك بموت أبيك، ولا كان لعبك سببا فيما حدث له، وعليك أن تتخلص من تلك الأفكار المرضية التي سببت لك الاكتئاب والمعاناة، ويحصل ذلك بمجاهدة النفس ودوام استحضار أنه لا يكون شيء إلا بإذن الله، وأن الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها، واستحضار رحمته بعباده وسعة فضله وجوده سبحانه، وليس عليك إثم فيما يقع في قلبك من تلك الأفكار، ولكن عليك بالسعي في علاجها والتخلص منها، وأن تعيش حياتك بصورة طبيعية؛ لئلا تتعطل مصالح دنياك وآخرتك، ولو استرسلت مع تلك الأفكار وأنت تقدر على مدافعتها فتركت أمرا مباحا مثلا خشية أن ينتج عنه مصيبة ما فيخشى أن يكون ذلك من الطيرة المذمومة شرعا، فإنما الطيرة ما أمضاك أو ردك؛ كما جاء في الحديث، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: قوله: في حديث الفضل: " إنما الطيرة " هذه الجملة عند البلاغيين تسمى حصرا أي: ما الطيرة إلا ما أمضاك أو ردك لا ما حدث في قلبك ولم تلتفت إليه، ولا ريب أن السلامة منها حتى في تفكير الإنسان خير بلا شك، لكن إذا وقعت في القلب ولم ترده ولم يلتفت لها فإنها لا تضره، لكن عليه أن لا يستسلم، بل يدافع; إذ الأمر كله بيد الله. انتهى، وأما ما يغلبك فلا تقدر على مدافعته فلا تأثم به؛ كما قدمنا.
والله أعلم.