عنوان الفتوى : سؤال الناس بين الكراهة والجواز
بارك الله في علمكم، عندي إشكال حول مسألة ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "في شرح رياض الصالحين في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" أي لا تعتمد على أحد مخلوق، مثلا إنسان فقير ليس عنده مال يسأل الله يقول اللهم ارزقني اللهم هيئ لي رزقا فيأتيه الرزق من حيث لا يحتسب، لكن لو سأل الناس فربما يعطونه أو يمنعونه، ولهذا جاء في الحديث "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب ثم يبيعه لكان خيرا له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" فكذلك أنت إذا سألت فاسأل الله، قل اللهم ارزقني، اللهم أغنني بفضل عمن سواك، وما أشبهه من الكلمات التي تتجه بها إلى الله عز وجل، وكذلك أيضا إذا استعنت فاستعن بالله الاستعانة طلب العون، فلا تطلب العون من أي إنسان إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسببا لا ركنا تعتمد عليه، اجعل الركن الأصيل هو الله عز وجل، وفي هاتين الجملتين دليل على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله، ولهذا تكره المسألة لغير الله عز وجل في قليل أو كثير، والله سبحانه إذا أراد عونك يسر لك العون؛ سواء كان أسباب معلومة أو غير معلومة، قد يعينك الله بسبب غير معلوم لك فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لأحد به، وقد يعينك الله على يد أحد من الخلق يسخره لك ويذله لك حتى يعينك، ولكن مع ذلك لا يجوز لك إذا أعانك الله على يد أحد أن تنسى المسبب وهو الله عز وجل..." إلى آخر كلامه رحمه الله، فهل يعني هذا أني لو طلبت من أحد مثلا منديلا أو كأس ماء فهل أكون وقعت في المكروه؟ ألم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل الصحابة وزوجاته أن يناولوه شيئا؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أمكنك أن تُحصِل كوب الماء بنفسك دون مشقة، فالأولى ألا تسأل غيرك، ويخشى أن تقع في المكروه؛ فالأصل ألا يسأل العبد الناس شيئا، كما بينا بالفتوى رقم: 267397.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في العبودية: وَأوصى خَواص أَصْحَابه أَلا يسْأَلُوا النَّاس شَيْئا وَفِي "الْمسند": (أَن أَبَا بكر كَانَ يسْقط السَّوْط من يَده فَلَا يَقُول لأحد: ناولني إِيَّاه وَيَقُول: إِن خليلي أَمرنِي أَلا أسأَل النَّاس شَيْئا) وَفِي "صَحِيح مُسلم" وَغَيره عَن عَوْف بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَايعه فِي طَائِفَة وَأسر إِلَيْهِم كلمة خُفْيَة: "أَن لَا يسْأَلُوا النَّاس شَيْئا" فَكَانَ بعض أُولَئِكَ النَّفر يسْقط السَّوْط من يَد أحدهم وَلَا يَقُول لأحد: ناولني إِيَّاه، وَقد دلّت النُّصُوص على الْأَمر بِمَسْأَلَة الْخَالِق وَالنَّهْي عَن مَسْأَلَة الْمَخْلُوق فِي غير مَوضِع كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِذا فرغت فانصب * وَإِلَى رَبك فارغب} [7 الشَّرْح] وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس: "إِذا سَأَلت فأسال الله واذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه" وَمِنْه قَول الْخَلِيل: {فابتغوا عِنْد الله الرزق} [17 العنكبوت] وَلم يقل: فابتغوا الرزق عِنْد الله؛ لِأَن تَقْدِيم الظّرْف يشْعر بالاختصاص والحصر، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَبْتَغُوا الرزق إِلَّا عِنْد الله وَقد قَالَ تَعَالَى [32 النِّسَاء] : {واسألوا الله من فَضله} .انتهى.
وأما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من زوجاته مناولة بعض الأشياء كقوله لعائشة: ناوليني الخمرة من المسجد، وغير ذلك، ومثله الطلب من الولد، والخادم؛ فهو سؤال من له عليه حق؛ كما أنه لا بأس باستئجار إنسان لإتمام عمل، وسؤاله أن يُتم العمل، فليس هذا من السؤال المذموم.
والله أعلم.