عنوان الفتوى : الراجح في علة الربا في الأصناف الستة
ماهو أرجح أقوال العلماء في تحديد الأجناس الربوية ؟ فقد اشترط علماء المالكية لإلحاق الطعام بالأجناس الربوية الادخار أي اليبس ، ولا يضره التأخير ، فهل يسقط هذا الشرط في زماننا مع وجود الثلاجات الكبيرة التي يمكن أن يدخر فيها جميع أـصناف الطعام ؟
الحمد لله.
أولا :
الأصناف الربوية التي نص عليها الشارع ستة، كما جاء في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ: فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587).
وقد اختلف الفقهاء في علة الربا في هذه الأصناف .
والراجح أن العلة في الذهب والفضة: الثمنية، ويدل عليه: ما روى مسلم (1588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا).
والعلة في الأصناف الأربعة هي الطعم مع الكيل أو الوزن. فكل مطعوم مكيل أو موزون فإنه يجري فيه الربا، ويدل على ذلك:
1-أن هذه الأمور الأربعة مطعومة مكيلة.
2-ما روي البخاري (2302) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا، فَقَالَ: إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقَالَ فِي المِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ.
أي أن الربا يجري في الموزونات كما يجري في المكيلات.
3-ما روى مسلم (1592) عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ، فَقَالَ: بِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا، فَذَهَبَ الْغُلَامُ، فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ، وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، قَالَ: وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ.
فمجموع هذه الأحاديث يدل على أن العلة في الأصناف الأربعة: الطُّعْم، مع الكيل أو الوزن.
فإذا كان الطعام مكيلا ، أو موزونا : جرى فيه الربا، ولا يشترط أن يكون مدخرا.
وهذا مذهب الشافعي في القديم، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة.
وعلى هذا فلا يجري الربا في الخضروات ولا في الفاكهة التي تباع عدا، كالبطيخ والرمان ونحو ذلك. ويجري في الألبان والأدهان ، لأن كل المائعات مكيلة.
قال ابن القيم رحمه الله: " وأما الدراهم والدنانير، فقالت طائفة: العلة فيهما كونهما موزونين، وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة، وطائفة قالت: العلة فيهما الثمنية، وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى .
وهذا هو الصحيح بل الصواب، فإنهم أجمعوا على جواز إسلامهما في الموزونات ، من النحاس والحديد وغيرهما؛ فلو كان النحاس والحديد ربويين ، لم يجز بيعهما إلى أجل بدراهم نقدا؛ فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النساء .
والعلة إذا انتقضت من غير فرق مؤثر دل على بطلانها" انتهى من إعلام الموقعين (2/ 105).
وقال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله: "وقد اتفق العلماء على أن العلة في الذهب والفضة، غير العلة في الأربعة الباقية ، وأن لكل منهما علة واحدة. ثم اختلفوا في العلة.
فالرواية المشهورة عن الإمام أحمد، في الذهب والفضة : كونهما موزوني جنس، وفى الأربعة الباقية، كونها مكيلة جنس، فيلحق بهما ما شابهما في العلة.
وبهذا القول قال النخعي، والزهري، والثوري، وإسحاق والحنفية. فعلى هذا يجرى الربَا في كل موزون، أو مكيل بيع بجنسه، سواء أكان مطعوماً، كالحبوب، والسكر، والأدهان. أم غير مطعوم، كالحديد، والصفر والنحاس، والأشنان ونحو ذلك. وغير المكيل أو الموزون لا يجرى فيه، وإن كان مطعوما، كالفواكه المعدودة ...
وذهب الشافعي إلى أن العلة، الطعم والجنس، والعلة في الذهب والفضة، كونهما ثمنين للأشياء، فيختص الحكم بهما. والدليل على ذلك، ما رواه مسلم، عن معمر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الطعام بالطعام، إلا مثلا بمثل ).
فقد علَّق الحكم باسم الطعام، فدل على العلة واشتقاقها. ووافق الإمام مالكٌ الشافعي في النقدين، أما غيرهما، فالعلة عنده فيه ترجع إلى الجنس والادخار، والاقتيات. وكذلك ما يصلح الطعام من التوابل.
ويرون أن الأصناف الأربعة المذكورة في الحديث جاءت للتنبيه على ما في معناها، ويجمعها كلها الاقتيات والادخار.
فالبر، والشعير، لأنواعْ الحبوب. والتمر لأنواع الحلويات، كالسكر والعسل، والملح، لأنواع التوابل.
وهناك رواية أخرى عن الإمام أحمد هي مذهب الإمام الشافعي في القديم، وقال بها سعيد بن المسيب. وهي أن العلة في الأربعة المذكورة في الحديث: الطعم، والكيل أو الوزن فلا يجرى الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن، كالرمان والبيض، والبطيخ.
كما لا يجرى في مكيل أو موزون لا يطعم. فلابد من اعتبار الأمرين، لأن الكيل وحده، أو الوزن وحده، لا يقتضي وجوب المماثلة، كما أن الطعم وحده لا تتحقق به المماثلة، لعدم المعيار الشرعي فيه، وإنما تتحقق المماثلة في المعيار الشرعي الذي هو الكيل والوزن.
وبهذا القول تجتمع الأحاديث الواردة في هذه المسألة، ويقيد كل حديث منها بالآخر.
وقد اختار هذا القول [صاحب المغنى] والشارح عبد الرحمن بن أبي عمر، وشيخ الإسلام " ابن تيمية " رحمهم الله تعالى" انتهى من تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (1/ 478).
ثانيا :
العبرة في كون الشيء يكال أو يوزن أو يعد: ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويدل عليه ما روى أبو داود (3340) والنسائي (2520) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |