عنوان الفتوى : حكم من ترك صلاة الجماعة وصلى منفردا لخصومة بينه وبين أحد المصلين
أودّ معرفة حكم صلاة شخص دخل على جماعة يصلون، فترك الصلاة في الجماعة، وصلى منفردا في نفس المكان بسبب وجود خصام بينه وبين أحد المصلين في هذه الجماعة؟. أفيدونا رحمكم الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت تعني أنه لم يدخل معهم ابتداء، وصلى منفردا، وهم يصلون جماعة، فإن هذا لا ينبغي. وقد نص الفقهاء على عدم جواز الصلاة منفردا أثناء إقامة الجماعة، جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي: فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي فَرْضٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَذًّا، وَلَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً غَيْرَهَا، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ، وَتُجْزِئْهُ... اهــ .
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى: وَلَوْ قَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ صَلَّى فَذَّا فَقَدْ أَسَاءَ وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَصَلَّى فَذًّا. اهـ
ولا شك أن في الانفراد تفريقا لكلمة المسلمين، وحصول سوء ظن وشقاق بينهم، فربما ظن أحد المأمومين أن الإمام فيه شيء يمنع من صحة الاقتداء به، ولأجل هذا ترك أحدهم الصلاة خلفه ونحو ذلك.
وإن كنت تعني أنه دخل معهم في الجماعة ثم قطعها حين علم بوجود ذلك الشخص، فلا يجوز لمن دخل في صلاة الفريضة أن يقطعها بغير عذر، سواء صلى في جماعة أو صلى منفردا، فإن فعل فهو آثم تلزمه التوبة إلى الله تعالى. جاء في الموسوعة الفقهية: قَطْعُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا بِلاَ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ غَيْرُ جَائِزٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأِنَّ قَطْعَهَا بِلاَ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ عَبَثٌ يَتَنَافَى مَعَ حُرْمَةِ الْعِبَادَةِ، وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، قَال تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم. اهــ
وجاء في الروض مع حاشيته: فيحرم خروجه من الفرض بلا عذر. قال المجد وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وقال في الفروع: من دخل في واجب موسع، كقضاء رمضان، والمكتوبة أول وقتها، وغير ذلك، كنذر مطلق، وكفارة ـ إن قلنا: يجوز تأخيرها ـ حرم خروجه منها بلا عذر وفاقًا. اهــ
وما ذكر في السؤال من وجود خصومة بينه وبين أحد المصلين، فهذا لا يبيح له قطع الفريضة، كما أن الخصومة والبغضاء بين المسلمين ضررها على الدين كبير حتى وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بحالقة الدين، ففي مسند أحمد وسنن الترمذي من حديث الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ. والبغضاء هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - أَوْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ. اهــ
والله تعالى أعلم.