عنوان الفتوى : هل الحديث النبوي يعد من أنواع النثر ؟
هل الحديث النبوي الشريف نوع من أنواع النثر أم لا ؟
الحمد لله
فإنه مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي عربي ، يتكلم بالعربية ، وكلام العرب عند الاستقراء ينقسم إلى نوعين : منظوم ومنثور .
قال ابن رشيق الأندلسي في "العمدة في محاسن الشعر وآدابه" (1/19) :" وكلام العرب نوعان: منظوم ، ومنثور.... وقد اجتمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر ، وأقل جيداً محفوظاً ، وأن الشعر أقل ، وأكثر جيداً محفوظاً ؛ لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جيد المنثور.
وكان الكلام كله منثوراً ، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها ، وطيب أعراقها ، وذكر أيامها الصالحة ، وأوطانها النازحة ، وفرسانها الأمجاد ، وسمحائها الأجواد ؛ لتهز أنفسها إلى الكرم ، وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام ، فلما تم لهم وزنه، سموه شعراً ؛ لأنهم شعروا به ، أي: فطنوا.". اهـ
والشعر كما عرفه ابن فارس في "فقه اللغة" (ص211) فقال :" الشِّعرْ كلام مَوْزونٌ مُقفّى دَالٌّ عَلَى معنىً". اهـ .
وأما النثر فهو كما قال ابن خلدون في "المقدمة" (ص644) :" النثر: وهو الكلام غير الموزون". اهـ .
وقال الدكتور شوقي ضيف في "الفن ومذاهبه في النثر العربي" (ص15) :" النثر هو الكلام الذي لم ينظم في أوزان وقواف ". اهـ
وإذا كان الأمر كذلك ، فإنه من باب التقسيم الاصطلاحي : لا إشكار في اعتبار حديث النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل النثر .
وقد وصف كثير من أهل العلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه من النثر ، ومن هؤلاء ابن مالك كما في "شَوَاهِد التَّوضيح وَالتَّصحيح لمشكلات الجامع الصَّحيح" (ص 128 ، 228) ، والسيوطي كما في "عقود الزبرجد" (3/9) ، وغيرهم كثير .
بل إن أبا الحسين البوشنجي له جزء حديثي بسنده أسماه "المنظوم والمنثور من الحديث النبوي" ، حيث يأتي بالحديث بإسناده ثم يقول :" جَعَلْتُ نَثْرَهُ نَظْمًا " ثم ينظم كلام النبي صلى الله عليه وسلم المنثور ويحوله إلى شعر .
وقد سلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مما عده البلاغيون من عيوب النثر ، فلا مقارنة بين قوله صلى الله عليه وسلم وقول غيره ، فنبينا صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ، وقد أوتي جوامع الكلم ، واختُصر له الحديث اختصارا ، ففي البخاري (7013) ، مسلم (523) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:" بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي ".
قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/112) :" أما جوامع الكلم: فإنه يعني به اللغة العربية ؛ لأن الله تعالى فضله بها ، فيكون النطق يسيرًا ، والمعنى جمًا كبيرًا ". اهـ .
وقال الحسين بن محمد المعروف بالمغربي في "البدر التمام" (3/419) :" وإنما كان قِصَر الخطبة علامة لفقه الرجل ، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ ، يتمكن من التعبير بالعبارة الجامعة الجزلة المفيدة ، ولذلك كان من تمام رواية هذا الحديث: " فأطيلوا الصلاة ، وأقصروا الخطبة ، وإنَّ من البيان لسحرًا "، فشبه الكلام العامل في القلوب الجاذب للعقول بالسحر، لأجل ما اشتمل عليه من الجزالة ، وتناسق الدلالة ، وإفادته المعاني الكثيرة ، ووقوعه في مجازه من الترغيب والترهيب ونحو ذلك ، ولا يقدر عليه إلا مَنْ فقه بالمعاني وجمع شتاتها ، وناسب دلالتها ، فيتمكن حينئذ من الإتيان بالكلمات الجوامع ، ومطالع المعاني السواطع ، وكان ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - فكان أفصح منْ نَطَقَ بالضاد، وأبرع منْ أوتي فصل الخطاب ". اهـ
والحاصل :
أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل النثر ، إلا أنه في غاية الفصاحة والبيان ، ثم هو وحي وتشريع ، ليس كآحاد كلام الناس ، بل هو كلام من أعطي مجامع البلاغة ، وأوتي جوامع الكلم .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |