عنوان الفتوى : آيات وأحاديث في الصبر على البلاء وحسن الظن بالله تعالى
لا أعلم من أين أبدأ؟ وكيف سأبدأ!! والدموع تنهمر من عيني البائسة. لقد رأيت الدنيا حقيرة!! لم تعطني ولو جزءا يسيراً مما أردت، فمنذ ولادتي انفصل والدي عن أمي، وبدأ حزني العميق الذي ما تركني إلى الآن، وأنا ابن السابعة عشرة!! يا سيدي: كبرت بلا أب! إلى أن بلغت التاسعة من عمري، بدأ أبي ب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وأن ينفس كربك، وأن يعافيك في دينك ودنياك.
واعلم أن الإسلام قد أوجب على الآباء التسوية بين الأبناء في الهبات، والمعاملة، والرعاية، والتربية؛ وذلك لأنه أدعى إلى بر الأبناء بآبائهم، وأرفع للشحناء، والبغضاء بينهم، لحديث النعمان بن بشير قال: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي: عمرة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟" قال: لا. قال: "اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم" متفق عليه. وفي لفظ لمسلم: ثم قال:"أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذن".
وفي قوله: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟" تعليل واضح من النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب العدل، والمساواة بين الأولاد.
وعليه، فإن ما يقوم به هذا الأب من التمييز بين أبنائه، هو أمر منهي عنه شرعاً، وتفرقة في غير محلها.
ولكنا نوصيك ما دمت قد وصلت لهذه السن بفضل الله تعالى أن تعلم أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وهذا الابتلاء لا ينجو منه أحد حتى من اصطفاهم الله من عباده وهم الأنبياء، وأكثرهم بلاء في هذه الدنيا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك فهو أرفعهم، وأعلاهم درجة. فمن ابتلاه الله في الدنيا، فصبر، فسيعوضه الله في الآخرة، والآخرة خير وأبقى، والآخرة خير من الأولى، وما عند الله خير للأبرار. فإذا صبرت على قدر الله، وعاملت أباك وإخوتك بالإحسان، فلك من الله أجر عظيم؛ وسيكون معك عون من الله تعالى، وسيعطف الوالد عليك، ويجعله برا بك إن شاء الله.
وأما عن طاعة أبيك في ترك أمك، وجدتك: فلا يلزمك ذلك، ولكن حاول أن تتواصل معهما من دون علمه، فأنت الآن أصبحت رجلا يرجى لك بعد قليل أن تتخرج، وتكون موظفا، وتكون القائد، والأب لإخوتك، والعائل لأبويك، وجدتيك، فاستعن بالله تعالى في مواصلة دراستك، وفي نجاح أمورك، وفي الحصول على الوظيفة المناسبة، واصرف عن ذهنك هاجس الظلم، واستعن بالصبر، والصلاة، والدعاء، والإحسان إلى الوالد؛ فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}. وقال الله جل وعلا: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35] .
وقال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. [البقرة:155-157].
وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. [الأنبياء:35].
وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. [الأنعام:42].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفرَّ الله بها من خطاياه. رواه البخاري.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له. رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: إن عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وابن ماجه.
ويقول أيضاً: لا يتمنى أحدكم الموت لضر أصابه، إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب. رواه البخاري.
و جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم، ويقطعونني، وأحسن إليهم، ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
فاحمد لله أن جعل مصيبتك في أمر من أمور الدنيا، ولم يجعل مصيبتك في دينك, واعلم أن الله لا يُسأل عما يفعل، قال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. [الأنبياء:23].
واحرص على التمسك بطاعة الله، وتقواه؛ فإن في ذلك وحده حلا لكل مشاكلك، وتفريجاً لكل همومك، وغمومك، وتيسيراً لكل أمورك، وصلاحاً لكل أحوالك، وظروفك.
يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 3،2]
ويقول في نفس السورة أيضاً: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5،4]
ويقول سبحانه وتعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]
ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا . [الأحزاب: 70 ،71]
ويقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52]
ويقول سبحانه وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]
ويقول سبحانه وتعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124،123]
وعليك بالدعاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. رواه الترمذي، وهو صحيح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً. رواه ابن حبان.
والله أعلم.