عنوان الفتوى : حول قصة السلطان مراد الرابع والرجل الذي اشتهر عنه الزنى وشرب الخمر
أردت أن أستفسر عن مدى صحة هذه القصة المنتشرة بوسائل التواصل الإجتماعي ، والقصة كما وصلتني: " قصة من مذكرات السلطان مراد الرابع ، يقول : إنه حدث له في ليلة ضيق شديد ، ﻻ يعلم سببه ، فنادى لرئيس حرسه ، وأخبره ، وكان من عادته تفقد الرعية متخفياً ، فقال : لنخرج نتمشى قليلاً بين الناس ، ، فساروا حتى وصلوا حارة متطرفة ، فوجدوا رجلاً ملقى على اﻷرض ، فحركه السلطان ، فإذا هو ميت ، والناس تمر من حوله ، ﻻ أحد يهتم ، فنادى عليهم : تعالوا ، وهم ﻻ يعرفونه ، قالوا: ماذا تريد ؟ قال : لماذا هذا الرجل ميت ، وﻻ أحد يحمله من هو ؟ وأين أهله ؟ قالوا : هذا فلان الزنديق ، شارب الخمر ، الزاني ، قال : أليس هو من أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ فاحملوه معي إلى بيته ففعلوا ، ولما رأته زوجته أخذت تبكي ، وذهب الناس ، وبقي السلطان ورئيس الحرس ، وأثناء بكائها كانت تقول: رحمك الله ياولي الله ، أشهد أنك من الصالحين ، فتعجب السلطان مراد وقال: كيف من اﻷولياء ، والناس تقول عنه زنديق ، وخمار ، وزان ، حتى إنهم لم يكترثوا لموته ؟ قالت : كنت أتوقع هذا ، إن زوجي كان يذهب كل ليلة للخمارة يشتري ما استطاع من الخمر ، ثم يحضره للبيت ، ويصبه في المرحاض ، ويقول : أخفف عن المسلمين ، وكان يذهب إلى من تفعل الفاحشة يعطيها المال ، ويقول : هذه الليلة على حسابي ، أغلقي بابك حتى الصباح ، ويرجع يقول : الحمد لله خففت عنها ، وعن شباب المسلمين الليلة ، فكان الناس يشاهدونه يشتري الخمر ، ويدخل على المرأة فيتكلمون فيه ، وقلت له مرة : إنك لو مت لن تجد من يغسلك ، ويصلي عليك ، ويدفنك من المسلمين ، فضحك ، وقال : ﻻ تخافي ، سيصلي علي سلطان المسلمين والعلماء والأولياء ، فبكى السلطان مراد ، وقال : صدق والله ، أنا السلطان مراد ، وغدا نغسله ، ونصلي عليه ، وندفنه " .
الحمد لله.
هذه القصة منتشرة على الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) ، وعلى كثير من مواقع التواصل الاجتماعي ، وكثير من الناس ينشرها تحت عنوان " حسن الظن " ، ويمكن الحديث حول هذه القصة في عدة نقاط :
أولا : من حيث الثبوت فغالب الأمر أنها لا تثبت ، لأمرين :
الأول : لا يوجد ما يسمى بمذكرات السلطان مراد الرابع ، وقد بحثنا جهدنا في الكتب التي أرخت للخلافة العثمانية ، وسلاطين آل عثمان ، فلم نجد ذكرا لهذه القصة مطلقا .
الثاني : أن السلطان مراد بن أحمد بن محمد بن مراد بن سليم ، المشهور بالسلطان مراد الرابع ، والمولود ِي 28 جُمَادَى الأولى سنة (1018) هـ ، 29 اغسطس سنة 1609 م ، كان مشهورا بالديانة والجهاد ، حتى إنه لما تولى الخلافة والملك سنة 1032هـ ، أصدر أمرا بمنع شرب الخمور ، وأمر بإغلاق أماكن بيع الخمور كافة ، وظل الأمر كذلك طيلة فترة حكمه حتى مات سنة 1049 هـ رحمه الله .
وقد ذكر ذلك يلماز أوزتونا في كتابه " تاريخ الدولة العثمانية" (1/472) ، فقال :" وفي 5/8/ 1634م منع شرب المشروبات الكحولية ، أغلقت كافة أماكن الشرب ، حظر الشرب على المسلمين حتى في بيوتهم لأن الشريعة منعت تعاطي الخمر "انتهى.
ثانيا : من ناحية المعنى :
فعلى فرض حدوث مثل هذا الأمر ، فلا يصح الاستدلال بها على وجوب حسن الظن فيمن يرتاد مثل هذه الأماكن ، وذلك لما يلي :
أنه يجب على المسلم ألا يضع نفسه في مواضع التهم ، بل يجب أن يصون نفسه وعرضه عن إساءة الظن فيه .
وقد جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (3281) ، ومسلم في "صحيحه" (2175) ، من حديث صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا ، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي ، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا ، أَوْ قَالَ: شَيْئًا .
وهذا الحديث أخرجه أيضا أبو عوانة في "المستخرج" (17/305) ، وبوب عليه فقال :" بيان الخبر الدال على الكراهية أن يقف الرجل مواقف التُهم ، وأن يكلم امرأة ليست له بمحرم ، أو يخلُو بها في أي موضع كان ، ووجوب نفي التهمة عن نفسه " انتهى.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/324) ، وبوب عليه فقال :" بَابُ الْمَرْأَةِ تَزُورُ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ ، وَمَا فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ مِنَ السُّنَّةِ فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ " انتهى .
فلا يجوز للمسلم أن يدخل هذه الأماكن إلا للإنكار ، إن غلبت المصلحة على المفسدة .
وواجب على المسلم أن يتقي الشبهات ، استبراء لدينه وعرضه .
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/212) :" من اتَّقى الأمور المشتبهة واجتنبها ، فقد حَصَّنَ عِرْضَهُ مِنَ القَدح والشَّين الداخل على من لا يجتنبها .
وفي هذا دليل على أنَّ من ارتكب الشُّبهات ، فقد عرَّض نفسه للقدح فيه والطَّعن ، كما قال بعض السَّلف: من عرَّض نفسه للتُّهم ، فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ " انتهى.
وقد روى أبوداود في "الزهد" (83) ، أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: " مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ ، فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ ".
ولذلك كله، فالأغلب أن القصة لا تثبت ، وإن ثبتت فلا تدل على إحسان الظن بمن يرتادون حانات الخمور ، وبيوت الفواحش ، فإن أمر الناس إنما يحمل على ما ظهر من حالهم، وفعالهم ، وأقوالهم، ولم نؤمر أن نشق عن صدور الناس ، ولا أن ننقب عما في قلوبهم .
وإنما نحسن الظن في عموم المسلمين ما لم يضعوا أنفسهم مواضع التهمة .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |