عنوان الفتوى : هل من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم تطليق مرغوبته
قرأت في مواهب الجليل أن من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، تطليق مرغوبته. أليس هذا كلاما غير جيد في الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كيف يوصف بأنه يطلب من أصحابه تطليق زوجاتهم أو أنه تعجبه امرأة ؟ وأيضاً الرسل؟ وهل علي إثم في اعتراضي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما قرأت في مواهب الجليل من وجوب تطليق مرغوبة النبي صلى الله عليه وسلم، هو قول لبعض العلماء كالمالكية، حيث عدوا هذه المسألة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لا تثبت إلا بدليل، ولا يكفي فيها الاحتمال؛ لأنه خلاف الأصل، وطالما أنه لم يوجد لهذه المسألة دليل من الكتاب، أو السنة، فإنها تبقى مجرد اجتهاد قال به بعض العلماء؛ وانظري الفتوى رقم: 231298
ثم إننا ننبه إلى أمرين:
1- أن هذا الأمر - سواء كان من خصائصه، أو لم يكن - فإنه لم يحصل منه صلى الله عليه وسلم البتة، إذ لم يقع أبدا أن رغب عليه الصلاة والسلام فى زوجة أي من أصحابه، كما لم يطلق أي من أصحابه زوجته لذلك، بل على العكس من ذلك، لما أخبره الله بأن زيدا سيطلق زينب، وأنها ستكون زوجة له عليه الصلاة والسلام، لم يظهر ذلك وصار يقول لزيد: أمسك عليه زوجك واتق الله. فعاتبه الله تعالى على ذلك بقوله: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ .. {الأحزاب:37}.
وكان زواجه من زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد باختياره؛ لأنه قضى وطره منها، ولم تعد له بها حاجة، ولم يكن زواجا عاديا، بل كان زواجا إلهيا من الله تعالى مباشرة، حيث زوج بها نبيه بهدف إبطال التبني الذي كان معروفا عند أهل الجاهلية، قال سبحانه: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا {الأحزاب:37}. وكان تطبيقا عمليا لإبطال التبني الذي كان سائدا عند العرب قبل الإسلام؛ وانظري الفتوى رقم:27512 في شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش بشكل مفصل أكثر.
2- أن الله سبحانه وتعالى هو المشرع العليم الحكيم، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}، وقد خص نبيه بكثير من الخصائص فأوجب عليه بعض ما لم يوجب على أمته، وأباح له بعض ما لم يبح لأمته، وحكم المسلم في ذلك كله التسليم لما شرع الله، وعدم الاعتراض سواء فهم الحكمة من ذلك، أو لم يفهمها؛ قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}.
فاحذري من الاعتراض على شرع الله وأحكامه، فإن ذلك مهلكة عظيمة، وتوبي إلى الله، واستغفري إن كان منك شيء من ذلك.
وراجعي الفتوى رقم: 52388
والخلاصة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلب من أي من أصحابه طلاق زوجته ليتزوجها، كما قد يفهم من سؤالك، كما أن القول بأن ذلك من خصائصه، لم نجد عليه دليلا من كتاب، أو سنة، ومن قالوا به جاءوا به في إطار "الفقه الافتراضي" بمعنى لو طلب ذلك، فالحكم كذا؛ لأنهم مجمعون على أن ذلك لم يحصل، وهذا النوع من الفقه اشتهرت به مدرسة العراق ( الحنفية )، وقد كره كثير من أهل العلم الاشتغال به.
والله أعلم.