عنوان الفتوى : ماهية التعامل مع السنة اعتقاداً وعملاً
كيف نتعامل مع السنة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد أولاً من تعريف السنة لغة وشرعاً، فالسنة لغة: عبارة عن السيرة والطريقة المعتاده، وهي في الشرع: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته.
فالسنة القولية: هي الأحاديث التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف الأغراض والمناسبات مثل قوله: إنما الأعمال بالنيات.
والسنة الفعلية: هي الأعمال التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل أداء الصلاة وأداء شعائر الحج وقضائه بشاهد ويمين المدعي.. وغير ذلك.
والسنة التقريرية: هي أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قول أو فعل صدر أمامه أو في عصره وعلم به، وذلك إما بموافقته أو استبشاره أو استحسانه، وإما بمجرد عدم إنكاره، مثل أكل الضب على مائدته صلى الله عليه وسلم، ومثل استبشاره بحكم القائف.
إذا علم ذلك فلا بد من أمور:
الأول: اعتقاد أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وأن مصدرها هو الله تعالى، قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].
وقال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113].
وقال عليه الصلاة والسلام: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه. اخرجه أبو داود وصححه الألباني.
الثاني:العلم بأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة في استنباط الأحكام الشرعية العملية دلت على ذلك أدلة كثيرة من القرآن والإجماع والمعقول.
أما القرآن: فقد فرض الله على المؤمنين طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه وجعل طاعة الرسول طاعة له، وأمر المسلمين برد المنازعة فيما تنازعوا فيه إلى الله، وإلى الرسول، ولم يجعل لأحد الخيار في قضاء الله والرسول، ومن كانت طاعته واجبة فأقواله ملزمة للمطيع.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:80].
وأما الأجماع: فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم في حياته وبعد وفاته على وجوب اتباع سنته، فكانوا في حياته يمضون أحكامه ويمتثلون أوامره ونواهيه ولا يفرقون بين حكم في القرآن أو حكم صدر من الرسول في وجوب الاتباع.
وأما المعقول: فهو أن الله تعالى أمر رسوله بتبليغ رسالته واتباع وحيه، والتبليغ كان بإقراء القرآن وبيانه عليه الصلاة والسلام، وقد قامت الأدلة على عصمته من الخطأ والسهو في تبليغ الوحي ومجال التشريع. وعلى ذلك؛ فالشريعة: هي القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أن السنة بالنسبة للقرآن الكريم من ناحية ما ورد فيها من الأحكام إما أن تكون مقررة ومؤكدة حكماً جاء في القرآن، أو مبينة وشارحة للقرآن، أو للاستدلال بها على النسخ، أو منشئة حكماً سكت عنه القرآن. نص على هذا الشافعي في الأم.
رابعاً: أنه يجب قبول ما ورد صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان آحادا أم متواتراً، وسواء كان في الاعتقاد أم في العمل.
خامساً: أن ما ورد من السنة تكتنفه أحكام التشريع الخمسة.. فمنها ما يكون واجباً كإعفاء اللحية، ومنها ما يكون مندوباً كالسواك، ومنها ما يكون مباحاً كأفعال النبي صلى الله عليه وسلم الجِبِلِّيَّة كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحو ذلك، ومنها ما يكون مكروهاً كالوصال في الصيام لغير النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يكون محرماً كالنكاح لأكثر من أربع نسوة لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن خلال هذا التفصيل يعلم كيف نتعامل مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم اعتقاداً أو عملاً.
والله أعلم.