عنوان الفتوى : حكم الزواج والاستمتاع بالصغيرة، وهل في تجويز ذلك تشويه للإسلام؟
شيخنا الفاضل: قرأت فتاوى عن زواج الصغيرة، وأنها إذا كانت لا تقدر على الوطء فإنه يجوز لزوجها أن يقبلها، ويحضنها، ويقذف بين فخذيها، وهذا ما سبب لي نفورًا من الإسلام وكراهية؛ لأن هذا الأمر غير مقبول ومقزز، فهل يرضى رجل سليم العقل أن يجامع طفلة لم تبلغ؟ أقسم بالله -يا شيخ- أن البهائم لا تفعل هذا، فالحيوانات وهي بلا عقول لا تتزاوج إلا بعد البلوغ، فهل الحيوان أصبح أعقل وأرحم من بني آدم؟ ثم يحتج الفقهاء بزواج النبي عليه الصلاة والسلام من عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهل محمد صلى الله عليه وسلم مثل بقية الرجال؟ وإذا كان زواج الصغيرة التي لم تبلغ جائزًا، فلماذا تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول ثلاث سنوات؟ بالله عليك -يا شيخنا- هل تعتقد أن الفتيات الصغيرات في زماننا هذا يصلحن للزواج؟ فالفتاة في زمننا هذا تبلغ من العمر 20 عامًا، وهي لا تعرف كيف تغسل ملابسها، ولا طريقة إعداد البيض، وهي كبيرة بالغة، فكيف بالصغيرات؟ لا أدري لماذا يروج لمثل هذه الأمور التي انتهى عصرها مع انتهاء الجواري، ومن ذلك احتجاج الشيخ ابن العثيمين، والشيخ الألباني ـ رحمهم الله ـ على زواج الصغيرات، فيا شماتة أعداء الإسلام فينا؛ لأن ديننا العظيم يبيح الزواج من صغيرة لا تدرك معنى الزواج، ولا تدرك معنى الجنس، وبعد ذلك يأتيها زوجها، ويجامعها، ويقولون: هذا جائز، أي منطق هذا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الزواج بالصغيرة، وحكم الاستمتاع بها، فقد سبق أن فصلنا فيه القول، وذلك في الفتوى رقم: 195133.
ونود هنا لفت نظر الأخت السائلة على خطورة قولها: سبب لي نفورًا من الإسلام وكراهيته!! ولولا علمنا ـ من خلال الأسئلة السابقة ـ بحال السائلة، وما تعانيه من وساوس شديدة في مسائل الإيمان والكفر لأغلظنا لها القول، فنكتفي بتذكيرها بأن المؤمن يبحث في ثبوت الحكم، وصحة نسبته للشريعة الغراء، فإن ثبت فلا ينظر بعد ذلك لذوق، ولا لعقل، ولا لعرف، بل يقدم حكم الشرع على ما سواه مطلقًا؛ لأنه قد وطن نفسه على قبول حكم الله تعالى، والإذعان، والتسليم، والانقياد له؛ لاعتقاده أنه الحق، والخير للناس في العاجل والآجل، ولا يلتفت بعد ذلك إلى وساوس شياطين الإنس والجن، ولا إلى خطرات النفس الأمارة بالسوء، قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {النور:51ـ 52}، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب: 36}.
وكل ما يتعارض مع ما يراه بعض الناس مصلحة، فإما أن لا يثبت كونه من شريعة الله تعالى أصلًا، أو يكون العيب والخطأ في حكم الإنسان ونظره القاصر، فإن العقول البشرية بضعفها وقصورها، لا يمكن أن تستوعب حكم التشريع، ولا أن تحيط بموارد الغيب.
والقاعدة الكلية في ذلك أن العقل الصريح لا يمكن أن يخالف النقل الصحيح، وأن الوحي وإن كان يأتي بما تحار فيه العقول لكنه لا يمكن أن يأتي بما تحيله العقول السوية، وقد سبق لنا بيان ذلك، وبيان أن تحكيم العقل في أحكام الشرع زيغ وضلال، فراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 20458، 23028، 129696، 39932.
والله أعلم.