عنوان الفتوى : حول الاعتماد في الحديث على كتابي "السلسلة الصحيحة" و " صحيح الترغيب والترهيب"
كثيرا ما تكتبون في تخريج بعض الأحاديث ( صحيح ترغيب ) ، و ( السلسلة الصحيحة ) ، لمن هذين الكتابين ، يرجى إعطاءنا لمحة عنهم ، وهل هم كتب معتمدة في مجال الحديث ؟
الحمد لله
كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" ، وكتاب " السلسلة الصحيحة" كلاهما للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى .
أما الكتاب الأول : فأصله كتاب الترغيب والترهيب للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله ، أبو محمد ، زكي الدين المنذري (ت 656هـ) ، وقد جمع في كتابه (5766) حديثا تحت أبواب الترغيب في أبواب الخير والترهيب من أبواب الشر .
يقول عنه الشيخ الألباني في مقدمة كتابه (1/35) :" ليس بخافٍ على أحد من أهل العلم أن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري هو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه ، فقد أحاط فيه أو كاد ، بما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء ، كالعلم والصلاة ، والبيوع والمعاملات ، والأدب والأخلاق ، والزهد ، وصفة الجنة والنار ، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه واعظ أو مرشد ، ولا خطيب أو مدرس ، مع اعتنائه بتخريج الأحاديث وعزوه إياها إلى مصادرها من كتب السنة المعتمدة، على ما بيَّنه هو نفسه في المقدمة ، وقد أجاد ترتيبه وتصنيفه ، وأحسن جمعه وتأليفه ، فهو فرد في فنه ، منقطع القرين في حسنه ، كما قال الحافظ برهان الدين الحلبي الملقب بـ (الناجي) في مقدمة كتابه "عُجالة الإملاء" ، فاستحق بذلك أن يصفه الحافظ الذهبي النَّقاد: بأنه كتاب نفيس ؛ كما نقله عنه ابن العماد في "الشذرات" (5/ 278) ". انتهى .
إلا أنه رحمه الله ، مع جودة تصنيفه للكتاب ، وحسن إخراجه له ، لم ينقحه تماما ، فوقع فيه جملة من الأحاديث الضعيفة والواهية . وهو معذور في ذلك ، فقد نص في خاتمة كتابه على أنه صنفه في غربته حيث كان بعيدا عن كتبه ، وذكر أيضا في خاتمة كتابه أنه قد يذكر بعض الأحاديث الشاذة متنا وإسناداً ولا ينبه عليها فقال :" وكذلك تقدم أحاديث كثيرة غريبة ، وشاذة متناً وإسناداً، لم أتعرَّض لذكر غرابتها وشذوذها " . انتهى من "الترغيب والترهيب"(4/318) .
ولما كان الشيخ الألباني صاحب مشروع كبير أسماه " تقريب السنة بين يدي الأمة " ، وهدفه من ذلك تصفية الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم مما لم يصح ، وتقريبه لعموم المسلمين ، أراد الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله أن يحقق الكتاب من الناحية الحديثية فيفصل بين المقبول والمردود ؛ فجعل الكتاب على قسمين : الأول صحيح الترغيب والترهيب ، والثاني ضعيف الترغيب والترهيب .
وقد جمع في كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" (3775) حديثا ، منها الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن الصحيح والحسن لذاته والحسن لغيره .
وربما يذكر الباب ولا يذكر تحته حديثا لأنه لم يصح من الأحاديث التي أوردها الحافظ المنذري في هذا الباب شيء .
وكان الشيخ قد أصدر الطبعة الأولى للكتاب مبكرا، ثم عاد فراجعه بعد أكثر من عشرين عاما فتراجع عن أحاديث كان صححها ، فتبين له ضعفها ، وأحاديث كان قد ضعفها ، ثم تبين له حسنها أو قوتها بطرقها ، وكان ذلك في ختام عمره حيث كان في الخامسة والثمانين ، والشيخ في كتابه لا يستطرد في تخريج الحديث ولا يترجم للرواة ، وإنما يكتفي بذكر الحديث مع درجته وحكمه عليه .
وأما الكتاب الثاني : فهو "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها" ، فهو كتاب كبير مطول ، أراد الشيخ الألباني أن يجمع فيه قدرا كبيرا من الأحاديث الصحيحة ، بتخريج موسع مع ذكر درجة الحديث .
ويذكر كذلك في كثير من الأحيان بعض الفوائد الفقهية أو العقدية أو التربوية المستفادة من الحديث. وأصل الكتاب كان مقالات حديثية في مجلة التمدن الإسلامي ، ثم جمعها الشيخ في أجزاء كانت تصدر تباعا ، ولذا أسماه "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها " .
وأصدر بالمقابل "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة" ، وبلغت الأحاديث التي ذكرها الشيخ في كتابه "السلسلة الصحيحة" (4035) .
أما مؤلف الكتابين : فهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، ولد بألبانيا سنة 1333هـ /1914م ، وتوفي الشيخ رحمه الله سنة 1420هـ/1999م
هاجر به والده إلى دمشق ، وطلب الشيخ علوم الشريعة ، واشتغل الشيخ بعلم الحديث اشتغالا عظيما ، وتجرد له ، ونبغ فيه ، وعكف على تحقيق الأحاديث ودراستها أكثر من خمسين عاما حتى أصبحت عنده ملكة وصنعة حديثية مكينة ، وتيسر له من المخطوطات الحديثية في المكتبة الظاهرية ما لم يكد يتيسر لغيره من أقرانه ومعاصريه ، ووقف على كثير من الأسانيد وطرق الحديث مما مكنه من دراسة الأسانيد ومعرفة عللها .
ونشر علم "الحديث والسنة" ، وأشاع صنعته بين الناس ، بعد طول زمان من خفوتها ، وندرة المشتغلين بها على طريقة أهل الصنعة والنظر والاجتهاد .
وشهد له الموافق والمخالف بالسبق والفضل في علم الحديث ، حتى قال فيه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :" ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني ". من كتاب "حياة الألباني" (ص65) لمؤلفه محمد إبراهيم الشيباني .
والشيخ كغيره من أهل العلم : بشر غير معصوم ، يجتهد فيصيب ويخطئ ، وكثيرا ما تراجع الشيخ عن تضعيف حديث أو عن تصحيحه ، حتى إنه يكتب :" ينقل إلى السلسلة الصحيحة " أو " ينقل إلى السلسلة الضعيفة " وهكذا ، وهذا يدل على إنصافه وتواضعه للعلم رحمه الله .
والحكم على الحديث صحة وضعفا أمر اجتهادي ، ولذا في كثير من الأحيان يكون الخلاف بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف خلافا سائغا لا يجوز فيه التشغيب على أحد ، أو رميه بالجهل وغير ذلك ، ما دام أنه من أهل العلم والتزم فيه أصول الحديث وقواعده .
وحينئذ ؛ فمن كان من أهل التخصص في هذا العلم ، والتأهل له ، والاجتهاد فيه : فإنه ينظر في كتب الشيخ وبحوثه ، كما ينظر في كلام أهل العلم وكتبهم ، ويختار لنفسه من ذلك ما يترجح عنده؛ وما يسعه علمه ونظره , وجهده ووقته .
ومن لم يكن من المشتغلين بهذا العلم ، ولا المتخصصين فيه : وسعه أن يعتمد على كتب الشيخ واجتهاداته الحديثية ، ونُعْمَةُ عين ، كما يسعه ذلك مع أهل العلم في اختصاصاتهم ، وعلومهم ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وختاما رحم الله الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى ، وجزاه الله خير الجزاء ، عما قدم وبذل خدمة لدين الله عز وجل ، آمين .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |