عنوان الفتوى : هل قول أفضل الذكر يرجى منه الفضل كله؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل قول أفضل الذكر يرجى منه الفضل كله؟

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالسؤال يحتاج إلى إيضاح، حتى ‏نستطيع أن نجيب عنه إجابة ‏مباشرة، ولكن من باب الفائدة نقول: ‏إن الذكر بتلاوة القرآن العظيم أفضل ‏من الذكر بغيره من جميع الأذكار؛ ‏لما رواه الإمام أحمد في المسند، ‏وصححه الأرناؤوط: عن سمرة بن ‏جندب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم قال: أفضل ‏الكلام بعد القرآن أربع، وهي من ‏القرآن، لا يضرك بأيهن بدأت: ‏سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا ‏الله، والله أكبر. ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي ‏الله عنه - عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم قال: يقول الرب سبحانه ‏وتعالى: من شغله ذكري عن ‏مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي ‏السائلين, وفضل كلام الله سبحانه ‏وتعالى على سائر الكلام، كفضل الله ‏على خلقه. رواه الترمذي, وقال: ‏حديث حسن.‏

ولأن قارئ القرآن ينال بكل حرف ‏عشر حسنات؛ لقوله صلى الله عليه ‏وسلم: من قرأ حرفًا من كتاب الله، ‏فله به حسنة، والحسنة بعشر ‏أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف ‏حرف، ولام حرف، وميم حرف. ‏رواه الترمذي، وصححه الشيخ ‏الألباني.

ويستثنى من هذا ما إذا كان الذكر ‏في الأوقات التي شرع فيها ذكر غير ‏تلاوة القرآن، فيقدم الذكر المشروع ‏حينئذ.

قال صاحب مطهرة القلوب:‏
والذكر كثر والقرآن خيره   * إلا ‏بما شرع فيه غيره.‏

وقال الإمام النووي في شرح صحيح ‏مسلم: أحب الكلام إلى الله: سبحان ‏الله وبحمده ـ وفي رواية: أفضل ـ ‏هذا محمول على كلام الآدمي، وإلا ‏فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن ‏أفضل من التسبيح، والتهليل المطلق، ‏فأما المأثور في وقت، أو حال، ونحو ‏ذلك فالاشتغال به أفضل. انتهى.

وجاء في مجموع الفتاوى لشيخ ‏الإسلام ابن تيمية: الأصل الأول أن ‏جنس تلاوة القرآن أفضل من جنس ‏الأذكار، كما أن جنس الذكر أفضل ‏من جنس الدعاء، كما في الحديث ‏الذي في صحيح مسلم عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل ‏الكلام بعد القرآن أربع، وهن من ‏القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا ‏إله إلا الله، والله أكبر. انتهى.

وجاء في المجموع: وقد نقل الشيخ ‏أبو حامد في تعليقه في هذا الموضع ‏أن الشافعي نص أن قراءة القرآن ‏أفضل الذكر.‏ اهـ.

وأفضل الذكر بعد القرآن لا إله إلا ‏الله، كما صح عن رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم أنه قال: أفضل الذكر ‏لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد ‏لله. رواه الترمذي، وابن ماجه عن ‏جابر، وحسنه الألباني.

وكذلك من أفضل الأذكار: سبحان الله، ‏والحمد لله، والله أكبر، كما في الحديث ‏الذي رواه أحمد عن رجل من ‏أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: أفضل الكلام بعد القرآن أربع، ‏وهي من القرآن: سبحان الله، ‏والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله ‏أكبر.‏

ومن اشتغل بالقرآن، والأذكار ‏الفاضلة يرجى له حصول ‏المطلوب، وحصول فلاح الدارين، كما ‏قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الجمعة:10}.

ولما رواه الترمذي من حديث أبي ‏سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول ‏الله ‏صلى الله عليه وسلم:  يقول ‏الرب عز وجل: من شغله القرآن، ‏وذكري عن مسألتي، أعطيته ‏أفضل ‏ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله ‏على سائر الكلام، كفضل الله على ‏خلقه.‏

قال الحافظ في فتح الباري: الذاكر ‏يحصل له ما يحصل للداعي إذا شغله ‏الذكر عن الطلب، كما في حديث ابن ‏عمر رفعه: يقول الله تعالى: من شغله ‏ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما ‏أعطي السائلين ـ أخرجه الطبراني ‏بسند لين، وحديث أبي سعيد بلفظ: ‏من شغله القرآن، وذكري عن مسألتي ‏ـ الحديث أخرجه الترمذي، وحسنه. ‏انتهى.‏

لكن الأفضل للمسلم هو اتباع النبي ‏صلى الله عليه وسلم، وتقسيمه للوقت ‏بين التلاوة، والصلوات، والإتيان ‏بالأذكار المأثورة، والأدعية المأثورة ‏في وقتها المحدد شرعًا؛ فإن الذكر ‏في وقته المحدد مقدم على تلاوة ‏القرآن، مثل الذكر في الركوع فإنه ‏مرغب فيه، وتمنع التلاوة حينئذ.

جاء ‏في مجموع الفتاوى:‏ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ ‏الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ، ‏وَالذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ، فَهَذَا أَمْرٌ ‏مُطْلَقٌ، وَقَدْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتٍ، ‏فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي ذَلِكَ ‏الْوَقْتِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ، ‏وَالسُّجُودِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَالْقِرَاءَةُ ‏مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ ... ‏اهـ.‏

وفي مطالب أولي النهى ممزوجًا ‏بغاية المنتهى، وهو حنبلي: ويتجه ‏أن صرف الزمان فيما ورد أن يتلى ‏فيه من الأوقات ذكر خاص، كإجابة ‏المؤذن، والمقيم، وما يقال أدبار ‏الصلوات، وفي الصباح والمساء، ‏والصلاة على النبي صلى الله عليه ‏وسلم يوم الجمعة أفضل من صرفه ‏في قراءة القرآن تأدباً بأن يفضل ‏شيء عليه، وهو اتجاه حسن، بل ‏مصرح به في مواضع من كلامهم. ‏انتهى.‏

وجاء في فتاوى الشيخ ابن عثيمين: ‏سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل ‏الذكر أم قراءة القرآن؟

فأجاب ‏فضيلته بقوله: القرآن من حيث ‏الإطلاق أفضل من الذكر، لكن الذكر ‏عند وجود أسبابه أفضل من القراءة، ‏مثال ذلك: الذكر الوارد أدبار ‏الصلوات، أفضل في محله من قراءة ‏القرآن، وكذلك إجابة المؤذن في ‏محلها أفضل من قراءة القرآن، ‏وهكذا. انتهى.

والله أعلم.‏