عنوان الفتوى : التعريف بكتاب زاد المسير في علم التفسير .
لو سمحت نريد نبذة عن تفسير ابن الجوزي " زاد المسير في علم التفسير " ومكانته بين كتب التفاسير ، وهل صحيح أن فيه بعض الوهم في نسبة الأقوال ؟
الحمد لله
أولًا: التعريف بالكتاب ومؤلفه
كتاب "زاد المسير في علم التفسير" للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد
القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ، المتوفى (597ه) ، يعد اختصارًا من
كتاب آخر له ، أسماه "المغني في التفسير" انظر : زاد المسير: (4/ 511).
وكان الإمام ابن الجوزي علمًا في التفسير كما قال الموفق عبد اللطيف: "كان ابن
الجوزي ... في التفسير من الأعيان" . انتهى ، من طبقات المفسرين، للداودي: (1/
280).
وقد دفعه إلى تأليف هذا الكتاب ما ذكره هو عن نفسه في المقدمة قائلًا: "لمّا كان
القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم، لأن شرف العلم بشرف
المعلوم، وإني نظرت في جملة من كتب التفسير، فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه،
وصغير لا يستفاد كل المقصود منه، والمتوسّط منها قليل الفوائد، عديم الترتيب، وربما
أهمل فيه المشكل، وشرح غير الغريب، فأتيتك بهذا المختصر اليسير، منطويا على العلم
الغزير، ووسمته بـ "زاد المسير في علم التفسير".
وقد بالغت في اختصار لفظه، فاجتهد - وفّقك الله- في حفظه، والله المعين على تحقيقه،
فما زال جائدا بتوفيقه"، (1/ 11).
ثانيًا: مميزات الكتاب، وقيمته بين الكتب
وقد أراد الإمام ابن الجوزي تحقيق عدة أمور بتأليف هذا الكتاب، من أهمها:
1- الوفاء بتفسير الآية، بحيث لا يحتاج الناظر في كتابه إلى مطالعة كتب أخرى .
2- ذكر أمور متعلقة بعلوم القرآن، كالناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وغير ذلك .
3- انتقاء أحسن التفاسير، وأخذ الأصح والأحسن ، ونظمه في عبارة مختصرة .
4- الاعتناء بالقراءات وتوجيهها .
5- ترك الأسانيد .
وهو في هذا يتوافق مع كتاب آخر لإمام آخر، وهو كتاب: "النكت والعيون" للإمام
الماوردي رحمه الله، غير أن كتاب ابن الجوزي أصح نقلًا، وأكثر تحريرًا .
وقد نبه الإمام ابن الجوزي في مقدمة كتابه على ما قد يقع للناظر في كتابه من وجود
كلمة أو آية لم تفسر، فقال: "فإذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره، فهو لا
يخلو من أمرين: إِما أن يكون قد سبق، وإِما أن يكون ظاهرا لا يحتاج إلى تفسير"
(1/14).
وللكتاب قيمة علمية بين المشتغلين بعلم التفسير، وهو أحد الكتب التي كان شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعتمد عليها في استظهار أقوال الناس في التفسير .
والكتاب قد جمع ما يحتاج إليه طالب العلم من معرفة الأقوال في الآية، ومعرفة الناسخ
والمنسوخ فيها، ومعرفة جملة من الأحكام، مع مراعاة قول الحنابلة في ذلك، ومعرفة ما
في الآية من قصص ... مما لا يخلو منه تفسير، ومن كانت له عناية بمعرفة أقوال السلف
في التفسير على وجه الإيجاز والسرعة، فإنه يمكنه الاعتماد على هذا التفسير .
يقول الدكتور عبدالله الجديع: "هذا الكتاب يعتمد على الأثر واللّغة وبعض الرّأي،
ويسوق الأقوال في ذلك بأحسن سياقة وأخصرها، كما يعتني باختلاف القراءات وتوجيهها،
حتّى الشّاذّة منها، كذلك يذكر أسباب النّزول والمكّيّ والمدنيّ، والنّسخ، وتوضيح
المشكل، جميع ذلك بعبارة سهلة وعرض ممتع، ويقلّ جدّا أن يذكر شيئا غير معزوّ لأحد،
وإذا علّق بشيء من قبل نفسه أتى بأتمّ معنى وأخصر عبارة، غير أنّه لما قصد إليه من
الاختصار فإنّه لا يذكر الأسانيد"، المقدمات الأساسية في علوم القرآن: (330).
ويقول الدكتور محمد بن عبد الرحمن عبد الله في مقدمة تحقيقه للكتاب: "زاد المسير في
علم التفسير أحد أهم الكتب التي صنفها ابن الجوزي وقد نيفت على الثلاثمائة مصنف، بل
هو من أهم كتب التفسير للقرآن الكريم، فقد عمد ابن الجوزي حين عقد النية على تأليفه
إلى كتب الذين سبقوه في التفسير فقرأها وأشبعها دراسة، وإلى العلوم المساعدة للمفسر
، ليلم بموضوعه تمام الإلمام ، ورأى من خلال هذه الدراسة لمؤلفات السلف أن المفسرين
قبله قد وقعوا في كثير التطويل تارة، والتقصير طورا، فاستفاد من الثغرات التي كانت
في تفاسيرهم وألف تفسيره هذا مخلّصًا إياه من التطويل الممل، ومن الاختصار المخل".
ثالثًا: ما يؤخذ على الكتاب
ومع ذلك فإن الكتاب لا يخلو - كما هو حال البشر - من النقص والمؤاخذات، ومما يمكن
أن نذكره في هذا المقام:
1- أن الإمام رحمه الله قد اضطرب في باب الأسماء والصفات، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام
ابن تيمية قائلًا: " ... أن أبا الفرج نفسه متناقض في هذا الباب: لم يثبت على قدم
النفي ولا على قدم الإثبات؛ بل له من الكلام في الإثبات نظمًا ونثرًا ما أثبت به
كثيرًا من الصفات التي أنكرها .... فهو في هذا الباب مثل كثير من الخائضين في هذا
الباب من أنواع الناس ؛ يثبتون تارة ، وينفون أخرى ، في مواضع كثيرة من الصفات، كما
هو حال أبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي"، مجموع الفتاوى: (4/ 169).
2- ذكره لبعض الأحاديث المنكرة دون تنبيه .
3- اقتصاره - غالبًا - على حكاية الأقوال دون ترجيح .
وهذه المؤاخذات لا تقلل من قيمة الكتاب، ولا تقلل من أهميته بين كتب التفسير .
بقي لنا أن نشير إلى أن الكتاب قد نشر عدة نشرات، من أهمها:
1- نشرة المكتب الإسلامي بتحقيق الأستاذ زهير الشاويش رحمه الله، وتعد من أهم نشرات
الكتاب .
2- نشرة دار الفكر، وهي في ثمان مجلدات، وتتميز عن طبعة المكتب الإسلامي برجوعها
إلى نسخة محفوظة في الأزهرية، وفيها زيادات على نسخة المكتب الإسلامي .
3- نشرة دار الكتاب العربي بتحقيق عبد الرزاق المهدي .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |