عنوان الفتوى : المنهج الحق في الإيمان بأسماء الله وصفاته
منهجي في أسماء الله وصفاته : أن كل ما ذكره الله تعالى عن نفسه في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هي من باب التقريب للأذهان وإلا فالله ( لا يحطون به علما) ولا يهمني أحزاب وجماعات وفرق .
الحمد لله
أولا:
يجب الإيمان بما أثبته الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات ، أو أثبته له رسوله
صلى الله عليه وسلم من ذلك، من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل.
ويدخل في ذلك الإيمان بأنه السميع البصير العليم الحكيم، وأن من صفاته السمع والبصر
والعلم والحكمة، والاستواء والمجيء والفرح والضحك والغضب والرضا، وأن له وجها ويدين،
كما أخبر عن نفسه، وأخبر عنه نبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من
الأسماء والصفات.
والإيمان بذلك داخل في الإيمان بالله تعالى ، الذي هو أس الإيمان وركنه الأعظم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به
نفسه في كتابه العزيز، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ من غير تحريف
ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .
بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يلحدون في أسماء
الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ؛ لأنه سبحانه: لا سمي له،
ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى.
فإنه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه. ثم رسله صادقون مصدقون؛
بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون. ولهذا قال: ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ
الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على
المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب.
وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات.
فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون؛ فإنه الصراط المستقيم، صراط
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" .
انتهى من "الواسطية مع شرحها" للشيخ خليل هراس، ص65 .
ثانيا:
النجاة في اتباع ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومجانبة ما سوى ذلك
مما عليه أهل الأهواء والبدع.
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ
مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً )، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ( ، كما في حديث
عبد الله بن عمرو عند الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه ، وحسَّنه ابن العربي في " أحكام
القرآن " ( 3 / 432 ) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 284 ) ، والألباني في
" صحيح الترمذي " ..
فإذا أردت النجاة ؛ فاسلك
سبيل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو السبيل الذي سار عليه السلف، يؤمنون
بجميع الأسماء والصفات، ولا يؤولون ولا يحرفون، ولا يكيفون ولا يشبهون.
وأما قولك: إنها " من باب
التقريب للأذهان وإلا فالله ( لا يحيطون به علما)".
فإن أردت أننا لا نعلم كنه هذه الصفات وكيفيتها، ولا نحيط بها علما، فهذا حق، فنحن
نعلم أن الله سميع بصير، وأن السمع إدراك المسموعات، والبصر إدراك المبصرات، لكنا
لا نعلم كيفية هذا السمع العظيم، ولا نحيط به علما، فإن الله تعالى يسمع جميع
الأصوات، على اختلاف الأنواع، واللغات، واللهجات، في نفس اللحظة، ويبصر كل شيء في
العالم العلوي والسفلي في نفس اللحظة، وهذا لا نعلم كيفيته ، ولا نحيط به. وقل مثل
ذلك في جميع الصفات.
فنحن نعلم الصفات من وجه، ونجهلها من وجه. نعلمها من جهة ثبوتها، ومعرفة معناها،
ونجهلها من جهة معرفة كيفيتها وحقيقتها.
وهذا ليس في أسماء الله وصفاته فحسب، بل في كل أمر غائب عنا لم نشاهده، كنعيم الجنة
مثلا، فنعلم أن فيها خمرا وعسلا، ونعلم معنى ذلك بحسب ما شاهدنا ، ولكن نقطع بأن
خمر الجنة وعسلها ليس كخمرنا وعسلنا.
قال العلامة الواسطي رحمه الله: " وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معقولة
من حيث التكييف والتحديد، فيكون المؤمن بها مبصراً من وجه، أعمى من وجه ، مبصراً من
حيث الإثبات والوجود، أعمى من حيث التكييف والتحديد، وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات
لما وصف الله به نفسه، وبين نفي التحريف والتشبيه والوقف، وذلك هو مراد الله تعالى
منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها، ونؤمن بحقائقها، وننفي عنها التشبيه" .
انتهى من " النصيحة في صفات الرب جل وعلا "ص41 - 42.
وإن أردت أن هذه الصفات لا
حقيقة لها، وأنها تقال على سبيل التقريب والتخييل، فهذا باطل، وهذا ما ذهب إليه
الفلاسفة، من أنها خيالات لا حقيقة لها، أريد بها مصلحة الجمهور لكي يؤمنوا بإله.
قال السفاريني رحمه الله: " وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل
، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل.
فأما ( أهل التخييل ) وهم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ، فإنهم يقولون
: إن ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أمر الإيمان واليوم الآخر ، إنما هو
تخييل للحقائق ; لينتفع به الجمهور ، لا أنه بين به الحق ، ولا هدى به الخلق ، ولا
أوضح الحقائق . وليس فوق هذا الكفر كفر .
( وأهل التأويل ) هم الذين يقولون : إن النصوص الواردة في الصفات ، لم يقصد بها
الرسول أن يعتقد الناس الباطل ، ولكن قصد بها معاني ، ولم يبين لهم ذلك ، ولا دلهم
عليها ، ولكن أراد أن ينظروا ، فيعرفوا الحق بعقولهم ، ثم يجتهدوا في صرف تلك
النصوص عن مدلولها .
ومقصوده امتحانهم ، وتكليفهم ، وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوه عن مدلوله
ومقتضاه ، ويعرفوا الحق في غيره وسواه . وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ،
ومن نحا منحاهم . ولا يخفى ما في ضمن كلام هؤلاء من قصد الإضلال ، وعدم النصح ،
ومناقضة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وصفه الله به من الرأفة
والرحمة ، وقد تظاهر هؤلاء بنصر السنة ، وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا ، ولا
للفلاسفة كسروا ، بل فتحوا لأهل الإلحاد الباب ، وسلطوا القرامطة الباطنية من ذوي
الفساد على الإلحاد في السنة والكتاب .
( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات
الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك
قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من
المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم
معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا
بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " انتهى من " لوامع الأنوار البهية " (1/116).
وانظر للفائدة: سؤال رقم : (178915)،
ورقم : (20760) .
والله أعلم.