عنوان الفتوى : طهارة من لا يستطيع إحضار الماء لخوفه من الهوام
أنتقل أيامًا معدودة في السنّة إلى مكان فيه خطر حقيقيّ - عقارب، وثعابين - وأشعر بخوف، وخشية الضرر، ومكان الماء بعيد نسبيًّا، والإنارة تكاد تكون منعدمة، ولا أحد ليؤنسني، فما الحل لأداء صلاة الفجر في وقتها؟ وهل يجوز لي التيمم - بارك الله فيكم، ونفع بكم -؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن أمكنك إحضار الماء إلى مكان إقامتك في وضح النهار، حين تأمن على نفسك من الضرر، فأحضر الماء، وتوضأ به عند الفجر, وقد أوجب بعض الفقهاء حمل الماء للطهارة.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: لَوْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِهِ لِحَاجَةٍ، كَالْحِرَاثَةِ، وَالِاحْتِطَابِ، وَالِاحْتِشَاشِ، وَالصَّيْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: حَمْلُ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَحْمِلُهُ. اهــ.
وإن تعذر ذلك، فلك أن تتيمم ما دمت عادمًا للماء، وتخشى ضررًا بطلبه, وقد نص الفقهاء على أن خوف الضرر على النفس في طلب الماء، عذر من الأعذار التي يباح معها الانتقال من الغسل إلى التيمم.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: تَنْبِيهَاتٌ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: (أَوْ خَشْيَةً عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ مُحَقَّقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ جُبْنًا، لَا عَنْ سَبَبٍ يُخَافُ مِنْ مِثْلِهِ: لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَيُعِيدَ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَشْتَدُّ خَوْفُهُ.
الثَّانِي: لَوْ كَانَ خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْلُ مَنْ رَأَى سَوَادًا بِاللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ، وَصَلَّى، فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ... اهــ.
ونوصيك بالحرص على الذكر الوارد في حديث خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ - رضي الله عنها - قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ. رواه مسلم.
وكذا بأذكار الصباح والمساء. ومنها ما جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. رواه أبو داوود والترمذي.
ومعنى تكفيك من كل شيء: أَيْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ كما قال شراح الحديث.
والله أعلم.