عنوان الفتوى : الحكمة من دعاء رسول الله بالثبات، وسؤال الأمة المفطورة على التوحيد الثبات عليه
كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فلماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله التثبيت، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يضل بأي حال من الأحوال؟ ثم أليست الفطرة التي فطرنا عليها هي الإسلام والتوحيد؟ فكيف نسأل الله التثبيت على ما فطرنا عليه، وهو فطرتنا وثابت فينا دائمًا؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات ليس فيه ما يستغرب، فهو مثل سؤاله الهداية في كثير من الأحيان - كالصلاة، وغيرها - ففيه التعبد لله تعالى بالدعاء، وفيه تعليم لأمته.
وأما عن الأمة المفطورة على التوحيد: فإنه لا يستغرب سؤالها الثبات، فإن الشياطين تسعى في إغوائها، فهي مفتقرة إلى الله في ثباتها، وعدم زيغ قلوبها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مما يرويه عن ربه أنه قال: خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين. رواه مسلم من حديث عياض بن حمار - رضي الله عنه -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا صريح في أنه خلقهم على الحنيفية، وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك. اهـ.
وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا رسول الله، آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبها كيف يشاء. رواه الترمذي وقال: حديث حسن ـ وصححه الألباني.
وجاء في تفسير ابن كثير: فإن قيل: فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة، وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟
فالجواب: أن لا، ولولا احتياجه ليلاً ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك، فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة، والثبات، والتوفيق، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله، فإنه قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ـ فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس ذلك من باب تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات، والاستمرار، والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك ـ والله أعلم ـ وقال تعالى آمرًا لعباده المؤمنين أن يقولوا: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ـ وقد كان الصديق ـ رضي الله عنه ـ يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًّا، فمعنى قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم. استمر بنا عليه، ولا تعدل بنا إلى غيره. انتهى.
والله أعلم.