عنوان الفتوى : حكم من غلب على ظنه خروج النجاسة ونسي أن يتطهر وصلى
إذا غلب على ظن الإنسان أنه خرج منه مذي بناء على أنه فكر في الجماع، واشتدت عنده الشهوة في المنام، وقبل النوم، ثم نام، وبعد أن استيقظ نسي أن يتأكد هل خرج منه المذي أم لا، ولم ينضح على ملابسه الماء، وتوضأ وصلى، ولم يتنبه لذلك إلا بعد صلاة المغرب، فما الواجب عليه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما دام أنه لم يتيقن من خروج المذي فإنه لا يُحكم بخروجه، ولا يطالب بشيء، وصلاته صحيحة؛ لأن الأصل عدم خروجه، وهذا الأصل لا يزول بالشك.
وغلبة الظن في هذا الباب داخلة عند الفقهاء في الشك؛ إذ الشك عندهم مطلق التردد، ولو كان أحد الاحتمالين راجحًا والآخر مرجوحًا, وكل الأبواب التي يتكلمون فيها عن الشك, وأنه لا يعارض اليقين يدخل فيه غلبة الظن, قال الإمام النووي في المجموع: اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِالشَّكِّ فِي الْمَاءِ, وَالْحَدَثِ, وَالنَّجَاسَةِ, وَالصَّلَاةِ, وَالصَّوْمِ, وَالطَّلَاقِ, وَالْعِتْقِ, وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه, سواء كان الطرفان في الترد سَوَاءً، أَوْ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا, فَهَذَا مَعْنَاهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. اهـ.
وقال الزركشي في شرح مختصر الخرقي: الشك في كلام الخرقي خلاف اليقين، وإن انتهى إلى غلبة الظن، وفاقاً للفقهاء واللغويين، كما قاله الجوهري، وابن فارس، وغيرهما... اهـ.
وفي أسنى المطالب من كتب الشافعية: لَا فَرْقَ بين التَّسَاوِي وَالرُّجْحَانِ، وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ في دَقَائِقِهِ، وَغَيْرِهَا، فقال: الشَّكُّ هُنَا، وفي مُعْظَمِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ هو التَّرَدُّدُ، سَوَاءٌ الْمُسْتَوِي وَالرَّاجِحُ... اهــ.
وإن تيقن خروجه، ونسي أن يتطهر منه وصلى، فإن حكمه حكم من صلى وعليه نجاسة علمها ونسيها أو جهلها ابتداء، والجمهور على صحة صلاته، وأنه لا يطالب بالإعادة.
قال النووي في المجموع: في مذاهب العلماء فيمن صلى بنجاسة نسيها، أو جهلها ذكرنا أن الأصح في مذهبنا وجوب الإعادة، وبه قال أبو قلابة، وأحمد، وقال جمهور العلماء لا إعادة. اهــ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فَلَوْ صَلَّى وَبِبَدَنِهِ، أَوْ ثِيَابِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ، وَأَحْمَدَ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا؛ أَوْ جَهِلَهَا ابْتِدَاءً؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمَّا أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّ بِهِمَا أَذًى، وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْهَا. اهــ.
والله تعالى أعلم.