عنوان الفتوى : متى نشأت الحملات الصليبية ؟ ودور نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهما الله في حرب الصليبيين .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

متى وكيف حدثت الحملات الصليبية ؟ وما هو الدور الذي أداه كلٌ من نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي ، وما هي علاقتهم ببعضهم؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا :
شنّ الصليبيون العديد من الحملات الصليبية ضد أهل الإسلام ، وقد استمرت هذه الحملات حوالي مائتي عام ، شهدت سبع حملات صليبية ، قام بها العديد من ملوك أوربا، وقاومت فيها الأمة الإسلامية بكل ما استطاعت من قوة ، بقيادة عدد من أبرز قادتها المخلصين.
بدأت قصة الحملات الصليبية بالحملة الأولى، والتي كان الرُّعاة من فرنسا هم أغلب المشاركين فيها؛ نظرًا لسوء الأحوال الاقتصادية ، وندرة الغلال وارتفاع أثمانها هناك ، فتألفت عدة جيوش ، قادها الأمراء الصليبيون ، وساروا في حملة تُعرَف باسم "حملة الأمراء"، وقد بلغ تعداد هذه الحملة مليون صليبي .
توجهت هذه الحملة الصليبية الأولى (488- 492هـ/ 1095- 1099م) إلى القدس، وفي الطريق إليها أسَّس الصليبيون إمارة الرُّهَا ، ثم أسسوا إمارتهم الثانية في أنطاكية عام 491هـ/ 1098م .
وسار الصليبيون نحو بيت المقدس وارتكبوا في طريقهم عدة مذابح .
ودخلوا بيت المقدس في (23 من شعبان 492هـ/ 15 من يوليو 1099م)، بعد حصار دام واحدا وأربعين يومًا ، وارتكبوا أشنع المجازر، فقتلوا ما يزيد على سبعين ألفًا في خلال أسبوع ، وكانوا يبقرون بطون الموتى ، ويذبحون الأطفال بلا شفقة ولا رحمة.
قال ابن الأثير رحمه الله :
" قَتَلَ الْفِرِنْجُ، بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا، مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعُلَمَائِهِمْ ، وَعُبَّادِهِمْ ، وَزُهَّادِهِمْ ، مِمَّنْ فَارَقَ الْأَوْطَانَ وَجَاوَرَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ الشَّرِيف ِ، وَأَخَذُوا مِنْ عِنْدِ الصَّخْرَةِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ قِنْدِيلًا مِنَ الْفِضَّةِ ، وَزْنُ كُلِّ قِنْدِيلٍ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ دِرْهَم ٍ، وَأَخَذُوا مِنَ الْقَنَادِيلِ الصِّغَارِ مِائَةً وَخَمْسِينَ قِنْدِيلًا نُقْرَةً، وَمِنَ الذَّهَبِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ قِنْدِيلًا، وَغَنِمُوا مِنْهُ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْإِحْصَاءُ " انتهى من " الكامل " (8/ 425)
ويصف الأسقف وليم الصوري هذه المذبحة فقال :
" بات من المحال النظر إلى الأعداد الكبيرة للمقتولين دون هلع ، فقد انتشرت أشلاء الجثث البشرية في كل مكان ، وكانت الأرض ذاتها مغطاة بدم القتلى، ولم يكن مشهد الجثث التي فصلت الرؤوس عنها، والأضلاع المبتورة المتناثرة في جميع الاتجاهات، هو وحده الذي أثار الرعب في كل من نظر إليها، فقد كان الأرهب من ذلك هو النظر إلى المنتصرين أنفسهم وهم ملطخون بالدم من رؤوسهم إلى أقدامهم .
ويروى أنه هلك داخل حرم الهيكل فقط ، قرابة عشرة آلاف من الكفرة (يعني المسلمين) بالإضافة إلى القتلى المطروحين في كل مكان من المدينة ، في الشوارع والساحات ، حيث قدّر عددهم أنه كان مساوياً لعدد القتلى داخل حرم الهيكل، وطاف بقية الجنود خلال المدينة بحثاً عن التعساء الباقين على قيد الحياة ، والذين يمكنهم أن يكونوا مختبئين في مداخل ضيقة وطرق فرعية للنجاة من الموت ، وسحب هؤلاء على مرأى الجميع وذبحوا كالأغنام ، وتشكل البعض في زمر، واقتحموا المنازل حيث قبضوا على أرباب الأسر وزوجاتهم وأطفالهم وجميع أسرهم ، وقتلت هذه الضحايا أو قذفت من مكان مرتفع حيث هلكت بشكل مأساوي " .
انتهى من "دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى" (ص 484) .

وانظر :
- "الحركة الصليبية" لسعيد عبد الفتاح (1/34) .
- "ماهية الحروب الصليبية" لقاسم عبده قاسم (ص99-113) .
- "العبر" لابن خلدون (5/210) .
- "دولة السلاجقة" لعلي بن محمد الصلابي (ص 473-485) .

ثانيا :
كان من القادة الأبطال الذين سخرهم الله لنصرة دينه ، ورد كيد عدوه ، ومحاربة الصليبيين : نور الدين محمود زنكي رحمه الله .
وكان أبوه عماد الدين زنكي رحمه الله قد انشغل بحرب الصليبيين حتى استرد منهم عدة مدن ، وبعد وفاته استكمل ابنه نور الدين مسيرة الجهاد ضد الصليبين .
وكان صلاح الدين الأيوبي فارسا شجاعا وبطلا مغوارا ، وكان نور الدين يحبه ويُدنيه ، وقد عينه على رئاسة الشرطة بدمشق بعد أخيه ، قال ابن كثير رحمه الله :
" جَعَلَ الْأَمِيرَ شَمْسَ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ بْنَ نَجْمِ الدِّينِ شِحْنَةَ دِمَشْقَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ جَعَلَ أَخَاهُ صَلَاحَ الدِّينِ يُوسُفَ هُوَ الشِّحْنَةَ، وَجَعَلَهُ مِنْ خَوَاصِّهِ لَا يُفَارِقُهُ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا " .
انتهى من البداية والنهاية (16/ 373) .
و"الشِّحْنة" : هو القائم على كفاية البلدة ، من قِبَل السلطان .

وكان أسد الدين شيركوه (عم صلاح الدين) أميرا من أمراء نور الدين البسلاء ، فلما أرسله نور الدين إلى بلاد مصر ، تولى شيركوه الوزارة ، فلما مات تولاها من بعده صلاح الدين ، وعلى يديه هلكت الدولة العبيدية .
يقول ابن خلدون رحمه الله :
" استطال الإفرنج على أهل مصر ، وفرضوا عليهم الجزية ، وأنزلوا بالقاهرة الشحنة ، وتسلموا أبوابها ، واستدعوا ملكهم بالشام إلى الاستيلاء عليها، فبادر نور الدين وأعاد أسد الدين في العساكر إليها في ربيع سنة أربع وستين، فملكها وطرد الإفرنج عنها، وقدّمه العاضد لوزارته ، ثم هلك أسد الدين وقام صلاح الدين ابن أخيه مكانه، وهو مع ذلك في طاعة نور الدين محمود، وهلك العاضد، فكتب نور الدين إلى صلاح الدين يأمره بإقامة الدعوة العباسية بمصر، والخطبة للمستضيء ، ويقال إنه كتب له بذلك في حياة العاضد وبين يدي وفاته ، وهلك لخمسين يوما أو نحوها، فخطب للمستضيء العباسي ، وانقرضت الدولة العلوية بمصر، وذلك سنة سبع وستين " انتهى من " تاريخ ابن خلدون " (5/ 290) .

وكان نور الدين محمود رحمه الله قد نذر نفسه لقتال الصليبيين وتحرير بيت المقدس ، قال ابن كثير رحمه الله :
" كان قد أَعَدَّ مِنْبَرًا عَظِيمًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذَا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ " .
انتهى من البداية والنهاية (16/ 593) .
ولم يزل في قتال الصليبين حتى توفاه الله مجاهدا في سبيله .
وانظر كتاب : "القائد المجاهد نور الدين محمود زنكي" لعَلي بن محمد الصَّلاَّبي.

وقد جعل الله عز وجل فتح بيت المقدس على يدي أحد قواده ، وهو صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، فقاتل الصليبيين سنة 583 في حطين ونصره الله عليهم ، وكان هذا النصر مقدمة لفتح بيت المقدس ، قال ابن كثير :
" كَانَتْ وَقْعَةُ حِطِّينَ أَمَارَةً وَمُقَدِّمَةً وَبِشَارَةً لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ " انتهى من " البداية والنهاية " (16/ 579) .
والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...