عنوان الفتوى : العذر بالجهل بين المؤاخذة وعدمها
إذا فعل الإنسان ذنوبا، ولكنه كان لا يعرف أنها من الذنوب، لأنه لم يصادف أحدا ينصحه، ولأنه لم يحاول أن يسأل أو يتفقه في أمور دينه فهل يحاسبه الله عليها حتى لو كانت من باب الجهل بالدين؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 195345، بعض كلام أهل العلم في مسألة الجهل، فلتراجعيها.
ونضيف هنا من باب الإيضاح أن العذر بالجهل ليس على الإطلاق، وإنما يحصل الإثم بالتقصير في طلب العلم، وإن عُذِر في عدم المؤاخذة بالتكفير، أو إعادة العبادة، ونحو ذلك، فإنه لا بد من نوع مؤاخذة إذا كان هناك تقصير، روى عبد الرزاق عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، حدثه قال: توفي عبد الرحمن بن حاطب، وأعتق من صلى من رقيقه وصام، وكانت له نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه، فلم يرع إلا حبلها، وكانت ثيبا، فذهب إلى عمر فزعا فحدثه، فقال له عمر: لأنت الرجل لا يأتي بخير ـ فأفزعه ذلك، فأرسل إليها فسألها، فقال: حبلت؟ قالت: نعم من مرغوش بدرهمين، وإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه، فصادف عنده عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال: أشيروا علي وكان عثمان جالسا، فاضطجع فقال علي، وعبد الرحمن: قد وقع عليها الحد، فقال: أشر علي، يا عثمان، فقال: قد أشار عليك أخواك، قال: أشر علي أنت، قال عثمان: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه، وليس الحد إلا على من علمه، فأمر بها فجلدت مائة، ثم غربها، ثم قال: صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علم.
فلم يحدها، ولكن جلدها تعزيراً لتفريطها في التعلم، قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى في الطرق الحكمية: فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم: فهؤلاء أقسام:
أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ،فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا.
القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته... انتهى.
وتراجع الفتوى رقم: 154853.
والله أعلم.