عنوان الفتوى : حديثان باطلان وضعهما بعض جهلة الغلاة في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يستدل من يعتقد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور قبل أن يخلق الكون بالحديث التالي: "سأل النبي صلي الله عليه و سلم فقال " : يا جبريل كم عمرت من السنين؟ ، فقال : يا رسول الله لا أعلم، غير أن في الحجاب الرابع نجما يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ، رأيته اثنين و سبعين ألف مرة ، فقال النبي صلي الله عليه و سلم : و عزة ربي أنا ذلك الكوكب" (تفسير روح البيان، المجلد الأول، الصفحة 974) وأن آدم عليه السلام غفر له عندما رأى اسم النبي صلى الله عليه وسلم بعد لا إله إلا الله في الجنة، فما صحة ذلك؟
الحمد لله
أولا :
النبي صلى الله عليه وسلم بشرٌ من البشر ، من بني آدم ، وهو سيد ولد آدم ، ولم يخلق
من نور ، قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) الكهف/110 .
ينظر جواب السؤال رقم (4509) ، والسؤال رقم (75395).
ثانيا :
ما يُذكر من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل كم
عمّرتَ من السنين؟ فقال: يا رسول الله لست أعلم ، غير أن في الحجاب الرابع نجمًا
يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ، رأيته اثنتين وسبعين ألف مرة ، فقال النبيّ صلى
الله عليه وسلم : ( وعزة ربي أنا ذلك الكوكب ) .
هو كلام باطل لا أصل له ، وهو من اختراع بعض الجهلة من الصوفية .
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري رحمه الله :
" وروي في بعض كتب المولد النبوي عن أبي هريرة قال: " سأل النبيّ صلى الله عليه
وسلم جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل كم عمّرتَ من السنين؟ ... " فذكره ، ثم قال
:
" وهذا كذب قبيح ، قبّح الله من وضعه وافتراه " .
"مرشد الحائر" (ص5) .
انظر السؤال رقم (200271)
ثالثا :
روى الحاكم في "المستدرك" (4228) ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/488) من
طريق عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِمٍ الْفِهْرِيّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ،
أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ
الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ ؛ لَمَا غَفَرْتَ لِي
؟!
فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟
قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ ، وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ
رُوحِكَ ؛ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا :
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ !! فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ
تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ !!
فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ،
ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ، وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ )
وقال الحاكم عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ
ذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ "
انتهى .
فرده الذهبي بقوله : " بل موضوع " .
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، متروك الحديث ، قال الساجي : منكر الحديث، وقال
الطحاوي حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف، وقال الحاكم وأبو نعيم :
روى عن أبيه أحاديث موضوعة، وقال ابن الجوزي : أجمعوا على ضعفه .
"تهذيب التهذيب" (6 /162)
وعبد الله بن مسلم الفهري : قال الذهبي: " روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبد
الرحمن بن يزيد بن سلم خبرا باطلا فيه: يا آدم لولا محمد ما خلقتك ".
ميزان الاعتدال (2/ 504)
يعني هذا الحديث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" رِوَايَةُ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ
نَفْسَهُ قَدْ قَالَ فِي "كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْ
السَّقِيمِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ
أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً ، لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَهَا مَنْ أَهْلِ
الصَّنْعَةِ : أَنَّ الْحَمْلَ فِيهَا عَلَيْهِ.
قُلْت: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ ،
يَغْلَطُ كَثِيرًا، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو
حَاتِمٍ وَالنَّسَائِي وَالدَّارَقُطْنِي وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ
حِبَّانَ: كَانَ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ
مِنْ رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَرَاسِيلِ وَإِسْنَادِ الْمَوْقُوفِ فَاسْتَحَقَّ
التَّرْكَ.
وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ: فَهَذَا
مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ، وَقَالُوا: إنَّ
الْحَاكِمَ يُصَحِّحُ أَحَادِيثَ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ
الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (1/ 254)
فهذان حديثان باطلان ، لا يجوز لمسلم أن ينسبهما أو أحدهما إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ، لأن ذلك من الكذب عليه ، والكذب عليه من كبائر الذنوب الموبقة .
والله تعالى أعلم .