عنوان الفتوى : ما معنى إثبات صفة من صفات الله ، يستلزم نفي ما يضاد تلك الصفة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

عندما ينفي الله عن ذاته العلية صفة من الصفات كالموت مثلاً فعندئذ يتوجب علينا إثبات عكسها أي الحياة السرمدية في مثل هذا المثال ، ولكن ماذا لو أثبت لنفسه صفة من الصفات ، فهل يجب علينا نفي ضدها ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولاً :
ما نفاه الله عن نفسه من الصفات ، يتضمن شيئين :
أحدهما : انتفاء تلك الصفة .
الثاني : ثبوت كمال ضدها .

فقوله تعالى : ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف / 49 ، فيه نفي صفة الظلم عن الله ، كما أن فيه إثبات كمال الضد ، فهو سبحانه لا يظلم ؛ لكمال عدله .

وسبب إثبات كمال الضد في الصفات المنفية أن النفي الذي لا يتضمن إثباتا هو عدم محض ، لا كمال فيه ، والله تعالى لا يصف نفسه بما لا كمال فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ إثْبَاتًا ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ النَّفْيِ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ عَدَمٌ مَحْضٌ ؛ وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءِ وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ فَهُوَ كَمَا قِيلَ: لَيْسَ بِشَيْءِ ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا أَوْ كَمَالًا ، وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ يُوصَفُ بِهِ الْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ وَالْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يُوصَفُ بِمَدْحِ وَلَا كَمَالٍ.
فَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ النَّفْيِ مُتَضَمِّنًا لِإِثْبَاتِ مَدْحٍ كَقَوْلِهِ: (اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) إلَى قَوْلِهِ: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) فَنَفْيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ: يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَيَاةِ وَالْقِيَامِ؛ فَهُوَ مُبَيِّنٌ لِكَمَالِ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أَيْ لَا يُكْرِثُهُ وَلَا يُثْقِلُهُ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَمَامِهَا بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ الْقَادِرِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الشَّيْءِ بِنَوْعِ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ فَإِنَّ هَذَا نَقْصٌ فِي قُدْرَتِهِ وَعَيْبٌ فِي قُوَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) فَإِنَّ نَفْيَ الْعُزُوبِ مُسْتَلْزِمٌ لِعِلْمِهِ بِكُلِّ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ...إلخ" انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/35، 36) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ما نفاه الله تعالى عن نفسه ، فالمراد به بيان انتفائه ؛ لثبوت كمال ضده ، لا لمجرد نفيه ، لأن النفي ليس بكمال ، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال ، وذلك لأن النفي عدم ، والعدم ليس بشيء ، فضلاً عن أن يكون كمالاً ، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له ، فلا يكون كمالاً ، كما لو قلت : الجدار لا يظلم ، وقد يكون للعجز عن القيام به ، فيكون نقصا " .
انتهى من " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " (ص/23) .

وينظر أيضاً : " تقريب التدمرية " للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ص/47-50) .

ثانياً :
الصفات الثبوتية التي أثبتها الله لنفسه ، متضمنة لأمرين كذلك : إثبات الصفة لله جل وعلا ، ونفي ما يضاد تلك الصفة المثبتة له سبحانه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا بد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال ، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال " انتهى من " التدمرية " (ص/4) .
وقال أيضا : " ..... فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد ، فكل ما ضاد ذلك ، فالسمع ينفيه ، كما ينفي عنه المثل والكفؤ ، فإن إثبات الشيء نفي لضده ، ولما يستلزم ضده " انتهى من " مجموع الفتاوى " (3/ 84) .

وقال الشيخ يوسف الغفيص حفظه الله :
" القاعدة في هذا الباب : ( أن كل نص في الإثبات ، فإنه يدل على الإثبات ، ويدل على التنزيه ) .
والتنزيه نوعان:
النوع الأول : تنزيه عام .
النوع الثاني : تنزيه خاص .
والتنزيه الذي نقصده في نصوص الإثبات ، هو التنزيه العام الذي هو : تنزيه الباري عن كل ما لا يليق به .
وأما التنزيه الخاص : فهو التنزيه المناسب لهذه الصفة ، بمعنى : أن الله لما قال : ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الحديد / 3 ، دل ذلك على أنه منزه عن الجهل ، والآية تتضمن هذا التنزيه الخاص ، ومع تضمنها للتنزيه العام ؛ فإن من كان بكل شيء عليماً ، كان هو الأول ، وكان هو الآخر ، وكان هو الرب ، وهكذا ... .
فإن كل نص في الإثبات : يدل على نفي التشبيه ، والتمثيل ، ويدل على التنزيه الخاص ، والتنزيه العام " انتهى من " شرح التدمرية " .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...