عنوان الفتوى : معنى قوله تعالى: (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) هل هو الوصول إلى قمم الجبال أم مساواتها في الطول؟
يقول الله تعالى في سورة الإسراء : ( وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) فما معنى هذه الآية تحديداً ؟ لأننا نرى أن الإنسان قد بلغ فعلاً إلى أعالي الجبال بما في ذلك قمة إيفرست. - من الأشياء التي ذكر القرآن أن الإنسان لا يحيط بها علماً هو معرفة ما في الأرحام ، ولكن العلم الحديث قد بلغ بحيث يستطيع المرء أن يعرف ما في الرحم إن ذكراً كان أو أنثى ، فأرجو الشرح. إنني أحب القرآن وليس في قلبي أي شك نحوه ، ولكني أريد معرفة تفسير هاتين الآيتين . وسؤال أخير هو: عندما يقول الله أنه جعل بين البحرين حاجزاً، فما البحر المقصود هنا، وهل تم تحديد مكانه ؟
الحمد لله
أولا :
قال الله عز وجل : ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ
الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) الإسراء/ 37 .
قال القرطبي رحمه الله :
" (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا) أَيْ لَنْ تُسَاوِيَ الْجِبَالَ بِطُولِكَ ،
وَلَا تَطَاوُلِكَ " انتهى من " تفسير القرطبي " (10/ 261) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" أَيْ: وَلَنْ تَبْلُغَ قُدْرَتُكَ إِلَى أَنْ تُطَاوِلَ الْجِبَالَ ، حَتَّى
يَكُونَ عِظَمُ جُثَّتِكَ حَامِلًا لَكَ عَلَى الْكِبَرِ وَالِاخْتِيَال ِ، فَلَا
قُوَّةَ لَكَ حَتَّى تَخْرِقَ الْأَرْضَ بِالْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَلَا عِظَمَ فِي
بَدَنِكَ حَتَّى تُطَاوِلَ الْجِبَالَ ، فَمَا الْحَامِلُ لَكَ عَلَى مَا أنت فيه؟
" انتهى من " فتح القدير " (3/ 271) .
وقال الشنقيطي رحمه الله :
" أَيْ: أَنْتَ ؛ أَيُّهَا الْمُتَكَبِّرُ الْمُخْتَالُ : ضَعِيفٌ حَقِيرٌ ، عَاجِزٌ
، مَحْصُورٌ بَيْنَ جَمَادَيْنِ ، أَنْتَ عَاجِزٌ عَنِ التَّأْثِيرِ فِيهِمَا،
فَالْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهَا فَتَخْرِقَهَا
بِشِدَّةِ وَطْئِكَ عَلَيْهَا، وَالْجِبَالُ الشَّامِخَةُ فَوْقَكَ لَا يَبْلُغُ
طُولُكَ طُولَهَا ; فَاعْرِفْ قَدْرَكَ، وَلَا تَتَكَبَّرْ، وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا " انتهى من " أضواء البيان " (3/ 156) .
فمعنى قوله : ( وَلَنْ
تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ) : لن تبلغ أيها المتكبر بتكبرك وبطرك واستعلائك ـ في
الطول وعظم الهيئة ـ الجبالَ ، ولو شاء الله لخسف بك الأرض فسخت فيها ، ففيم
التطاول ؟
وليس المعنى : أنك لن تقدر على الوصول إلى أعالي الجبال ، والصعود إليها ؛ فما زال
الناس يصعدون قمم الجبال من قديم ، ولا عجب لهم في ذلك ، ولا عجز لهم عنه ؛ فمعنى
الآية : لا علاقة له بذلك الأمر ، لا من قريب ، ولا من بعيد !!
ثانيا :
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان/ 34
.
وقوله تعالى : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) هو العلم التام بالجنين قبل أن
يُخَلَّق : في مقدار مدته في بطن أمه ، وحياته ، وعمله ، ورزقه ، وشقاوته أو سعادته
، وكونه ذكراً أم أنثى ...إلخ .
أما بعد أن يخلق : فليس
العلم بذكورته ، أو أنوثته من علم الغيب المطلق ؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة
، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة ، التي لو أزيلت لتبين أمره ، ولذلك يمكن معرفة
جنس الجنين عن طريق الأشعة التي تخترق هذه الظلمات .
انظر جواب السؤال رقم : (12368) ، ورقم :
(213625) .
فليس العلم بنوع الجنين بعد
أن يخلق في بطن أمه من علم الغيب الذي اختص الله به .
والعلم الحديث الذي يستطيع أن يتعرف على نوع الجنين بعد أن خلق في بطن أمه ، لا
يستطيع أن يتعرف على غير ذلك من أمره كله ، وحياته ، ومماته ، وعمله ، ورزقه ،
وشقاوته أو سعادته .
ثالثا :
أما قوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا
أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا)
النمل/ 61 فقد سبق الكلام على معنى ذلك في الفتوى رقم : (223643)
.
والله تعالى أعلم .