عنوان الفتوى : ربيبة زوجها ملحدة فهل يحق لها أن تطلب من زوجها أن يطردها من بيته ويلحقها بأبيها؟
عن مسأله تؤرقني ، وكرهت زوجي لأجلها ، فهو متزوج من أوروبية أسلمت منذ 11 عاما ، ولديها ابنة من عشيقها السابق تبلغ من العمر 16عاما ، وهذه الابنة تعيش مع أمها ، وتعاشر من الرجال ما يحلو لها ، وأمها تعلم بذلك ، وهي تكره الإسلام ، وصرحت بذلك لأمها ، وأمرت أمها أن تلغي صوت الأذان من الحاسوب ؛ لأن ذلك يزعجها ، والأم استجابت لذلك فهي تقول : لا أريدها أن تغضب وتتركني أيضا ، جد هذه الفتاه هدد زوجي إذا تحدث عن الإسلام أمام حفيدته بالشكوى عليه ، لأن الحفيدة قاصر في نظر القانون . أنا تعبت ، وطلبت من زوجي أن يلحق هذه الابنة بأبيها ، لأن مدخل البيت مشترك ، أنا في الطابق الأول ، ويفصل بيتي عن بيتها سلم خشبي ، فإذا أرادت الأم أو ابنتها دخول البيت ، تمر كل منهما بيتي كاملا ، من مطبخ وغرفة نوم وغيره ، وهذا يقيد حريتي ، خصوصا وأن ابنتها ملحدة ، لا تعترف بوجود الله ، ولكن الأم رفضت ، وقالت : إذا خرجت ابنتي ، أخرج أنا من البيت . هل أنا آثمة إذا طلبت من زوجي أن يلحق الابنة بأبيها ، لاسيما وأن عندي بنات إناث أخاف أن يؤثر ذلك على سلوكهن ؟ بالنسبة لزوجي ورأيه أن هذه الزوجة ليست مسلمه بالفطرة ، ويخاف أن أظهر كره الإسلام لما تفعله ابنتها ، ترتد عن الدين ، وغير ذلك من المخالفات ، دفعتني أن أطلب منه إما طلاقها ، أو طلاقي .
الحمد لله
أولا:
للزوجة الحق في مسكن مستقل ، مكتمل المرافق ، تأمن فيه على نفسها وخصوصياتها ، وليس
للزوج أن يلزمها بالسكن في مسكن مشترك مع غيرها ، حتى ولو كانوا أهله ، ويكون هذا
المسكن مناسبا لإقامتها ونومها ، ويحوي المرافق الأساسية من المطبخ والحمام ونحو
ذلك ، والواقع الذي نعيشه خير شاهد على المفاسد التي تترتب على المسكن المشترك ، من
ضياع الخصوصية والسكن والهدوء في البيت ، وما يترتب عليه من الضرر الشديد على
الزوجين معا ، ونقص تمتع كل منهما بصاحبه ، وسكنه إليه ، الأمر الذي يضعف المودة
بينهما ، أو يذهبها تماما .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (167997)
، والفتوى رقم : (7653
).
وعلى هذا فالواجب على زوجك أن يعالج قضية الاشتراك في المسكن بحيث تنالين ما تريدين من خصوصيتك ، ولا تتقيد حريتك في منزل زوجيتك.
ثانيا:
أما عن زوجك فالواجب عليه أن يعيد النظر في تعامله مع ربيبته – بنت زوجته – فإن
الله قد قطع الموالاة بين المؤمنين وبين الكافرين ، وأوجب على المؤمنين بغضهم
وعداوتهم متأسين في ذلك بخليل الرحمن الذي قال الله تعالى فيه : ( قَدْ كَانَتْ
لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا
لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ
أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه)الممتحنة/ 4 ، وقال تعالى : ( لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ
حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )المجادلة/ 22
قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره (8 / 62): " قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ الْآيَةَ ) : أَخْبَرَ أَنَّ إِيمَانَ
الْمُؤْمِنِينَ يَفْسُدُ بِمُوَادَّةِ الْكَافِرِينَ ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ
مُؤْمِنًا لَا يُوَالِي مَنْ كَفَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَشِيرَتِهِ " انتهى.
وقد يرى زوجك أنه يحسن إلى
هذه الفتاة يتألف بذلك قلبها لتدخل في الإسلام ، فهذا أمر حسن جميل .
ولكن إذا رأى منها إصرارا على ما هي عليه ، ويئس من إسلامها ، فلا خير في بقائها في
البيت في هذه الحالة ، مع ما هي عليه من الكفر والانحلال الخلقي .
وإن خشي في هذه الحالة من خروج أمها معها ، أو ارتداد أمها عن الإسلام ، فلا حرج عليه أن يبقى هذه الفتاة في البيت ، ويحاول دعوتها إلى الإسلام شيئا فشيئا ، كلما سنحت الفرصة لذلك ؛ بشرط أن يجعلها مع أمها ، في مسكن مستقل ، منفرد عنك وعن بناتك ، لئلا تنتهك خصوصيتك بذلك ، أو تتضررين أنت أو بناتك من ذلك الوضع .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله : " ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم ؟
فأجاب : لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ، ويتبرأ منهم ، لأن هذه هي
طريقة الرسل وأتباعهم ، قال الله تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ
مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ وَحْدَه ) الممتحنة / 4 ، وقال تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ
كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ
أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )
المجادلة / 22 .
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في
الواقع ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) الممتحنة / 1 .
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به ،
لأنه من باب التأليف على الإسلام ، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن
يعاملهم به ، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ، ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن
القيم رحمه الله " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" رحمه الله (3/31 ) ، ويراجع الفتوى رقم : (88088).
والواجب عليه أن يلتزم في
ذلك بالضوابط الشرعية بحيث لا يظهر منه معاونة لها على إثم أو عدوان.