عنوان الفتوى : هل يصح حديث ( الحجر الأسود يمين الله في الأرض ) وما هو معناه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت عن حديث ( الحجر الأسود يمين الله في الأرض ) فهل معنى هذا الحديث كما هو ظاهر اللفظ أو ينبغي تأويل ما لا يمكن حمله على الظاهر، فأرجو بيان ذلك .

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أما كون (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) : فذلك لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسم ، ولو صح لما كان فيه ما يؤيد مذهب أهل التأويل .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) فأجاب :
" هذا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادِ لَا يَثْبُتُ .
وَالْمَشْهُورُ : إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ، فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ) .
وَمَنْ تَدَبَّرَ اللَّفْظَ الْمَنْقُولَ : تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ: (يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) ، فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ : (فِي الْأَرْضِ) ، وَلَمْ يُطْلِقْ فَيَقُولَ : (يَمِينُ اللَّهِ) . وَحُكْمُ اللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ. ثُمَّ قَالَ: (فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشَبَّهَ غَيْرُ الْمُشَبَّهِ بِهِ ؛ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصَافِحَ لَمْ يُصَافِحْ يَمِينَ اللَّهِ أَصْلًا ، وَلَكِنْ شُبِّهَ بِمَنْ يُصَافِحُ اللَّهَ !!
فَأَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ، وَلَكِنْ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا جَعَلَ لِلنَّاسِ بَيْتًا يَطُوفُونَ بِهِ ؛ جَعَلَ لَهُمْ مَا يَسْتَلِمُونَهُ ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَقْبِيلِ يَدِ الْعُظَمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ لِلْمُقَبِّلِ ، وَتَكْرِيمٌ لَهُ ، كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ .
وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا فِيهِ إضْلَالُ النَّاسِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ؛ فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي مِنْ التَّمْثِيلِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 397) .
وقال ابن القيم رحمه الله ، في بيان وجوه بطلان القول بالمجاز في اللغة :
" الوجه الرابع والأربعون: وهو مما يرفع المجاز بالكلية ، أنهم قالوا: إن من علامة الحقيقة السبق إلى الفهم ، وشرطوا في كونها حقيقة الاستعمال ، كما تقدم، وعند الاستعمال لا يسبق إلى الفهم غير المعنى الذي استعمل اللفظ فيه فيجب أن يكون حقيقة ، فلا يسبق إلى فهم أحد من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفرس الذي ركبه: " إن وجدناه لبحرا " : الماء الكثير المستبحر، فإن في " وجدناه " ضميرا يعود على الفرس ، يمنع أن يراد به الماء الكثير ...
وكذلك من سمع قوله: " ( الحجر الأسود يمين الله في الأرض " فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه ) : لم يسبق إلى فهمه من هذا اللفظ غير معناه الذي سيق له ، وقصد به؛ وأن تقبيل الحجر الأسود ومصافحته منزل منزلة تقبيل يمين الله ومصافحته .
فهذا حقيقة هذا اللفظ ، فإن المتبادر السابق إلى الفهم منه لا يفهم الناس منه غير ذلك ، ولا يفهم أحد منه أن الحجر الأسود هو صفة الله القديمة القائمة به ، فهذا لا يخطر ببال أحد عند سماع هذا اللفظ أصلا !!
فدعوى أن هذا حقيقة ، وأنه خرج إلى مجازه بهذا التركيب : خطأ .
ونكتة هذا الوجه : أن المجرد لا يستعمل ، ولا يكون حقيقة ولا مجازا، والمستعمل معه من القرائن ما يدل على المراد منه ، ويكون هو السابق إلى الفهم .
والمقدمتان لا ينكرهما المنازع ، ولا أحد من العقلاء، وذلك مما رفع المجاز بالكلية" .
انتهى من "مختصر الصواعق المرسلة" (1/328) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" على هذا فلا يكون الحديث من صفات الله - تعالى - التي أُوِّلت إلى معنى يخالف الظاهر، فلا تأويل فيه أصلا " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (1/ 120) .

فتبين بذلك : أنه لا حجة للمعطلة في هذه المرويات ونحوها ، على تعطيل شيء من صفات الله جل جلاله ، أو الرد على أهل السنة في طريقتهم السلفية ، في إثبات ما وردت به النصوص ، على الوجه اللائق بجلال الله .

وينظر جواب رقم السؤال : (236066) .

والله أعلم .