عنوان الفتوى : يزعم أن المعجزة لا تخرق العادة.

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما رأيكم بمن يقول: إن المعجزة ليست خارقة للعادة ، كما عرفها المعتزلة بدليل قول الله عز وجل (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )فاطر/ 43 ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
ما يذكره السائل من أن المعجزة ليست خارقة للعادة غير صحيح ، ويكذبه الشرع والحس والواقع، فإن معجزات الأنبياء جميعها خارقة للعادة ، وإلا فكيف نحكم على تصرفات نبي الله موسى مع عصاه التي تتحول إلى ثعبان عظيم تارة ، وينفلق بها البحر تارة أخرى ؛ هل هذا موافق للعادة ؟ وكيف نقول في نبي الله عيسى عليه السلام الذي يحيي الموتى بإذن ربه ثم يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله تعالى هل هذا موافق للعادة أم خارق لها ؟ وهل نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم موافق للعادة ؟
ثم نأتي إلى الآية الكبرى وهي القرآن الكريم الذي هو آية الآيات ، الذي خرق العوائد كلها وتحدى الله تعالى الجن والإنس أن يأتوا بمثله بل بسورة منه ، قال تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء/ 88 ، وقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) الطور/33، 34 ، وقال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة/ 23 ، وقال تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)يونس/ 38 .
أبعد هذا كله يقال : إن القرآن لم يخرق العادة ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (215231) ، ورقم : (124838) .
وينبغي أن يعلم أن تعريف المعجزة بأنها أمر خارق للعادة ليس تعريفا خاصا بالمعتزلة ، بل عامة من تكلم في تعريف المعجزة -ممن وقفنا علي أقوالهم- فإنه ذكر ذلك .
فقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " جامع الرسائل " (ص 263) ، وذكره محمد صديق خان في "قطف الثمر" ( ص 103) ، وذكره ابن أبي العز الحنفي في " شرح الطحاوية " (ص 207) ، وذكره القرطبي في كتابه "الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام" (ص 239) .
أما ما يذكره السائل عن ذلك القائل أن المعجزات لا تخرق العادات مستدلا بقوله تعالى : ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )فاطر/ 43 ، فما أضله من استدلال ، وما أبعده عن الحق وعن مراد الله تعالى ، فهلا قرأ هذا المستدل السياق القرآني الكريم لينظر هل يساعده على مدعاه أم لا ؟
قال تعالى : ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ) فاطر/ 43، 44 .
إن السياق في سباقه ولحاقه : ليدل دلالة قطعية على أن المراد بسنة الله تعالى هنا هي أخذ الظالمين المفسدين ، وأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (6 / 559): "وَقَوْلُهُ: ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ ) ، يَعْنِي: عُقُوبَةَ اللَّهِ لَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ ، وَمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَهُ ، ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا ) : أَيْ لَا تُغَيَّرُ وَلَا تُبَدَّلُ ، بل هي جارية كذلك في كل مكذب" انتهى.

وأما قوله تعالى في سورة الأحزاب : ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) الأحزاب/ 62 : فلا يخرج المعنى فيها عما ذكرناه ، والسياق يشهد بذلك ، قال تعالى : ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا . مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا . سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )الأحزاب/ 60 - 62 .
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (6 / 483): "( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) أَيْ: هَذِهِ سُنَّتُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ ، إِذَا تَمَرَّدُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ، وَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ : أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ، وَيَقْهَرُونَهُمْ ، ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا ) ، أَيْ: وَسُنَّةُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ لَا تُبَدَّلُ وَلَا تُغَيَّرُ" انتهى.
والله أعلم.