عنوان الفتوى : هل صح أن التوراة أنزلت على موسى عليه السلام في رمضان ؟
لدي سؤال عن الحديث الوارد هنا : روى أحمد ، والطبراني في " معجم الكبير " عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان ، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان ، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ) . حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة "(1575). السؤال: كيف نوفق بين وقت نزول التوراة كما هو مذكور في الحديث ، مع وقت نزولها الذي يخالف ذلك كما أخبر القرآن؟ فالقرآن يقول في سورة الأعراف الآيات 142/144/145 "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" ، وقال تعالى : "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ" "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ" و "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" . قال ابن عباس عن تلك الأيام العشر الأخيرة هي العشر الأولى من ذي الحجة وكثير وافقوه .
الحمد لله
روى الإمام أحمد (16984) ، والطبراني في "الكبير" (185) ، والطبري في "التفسير"
(3/446) ، واليهقي في "السنن"(9/ 317) من طريق عِمْرَان أَبي الْعَوَّامِ ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ،
وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ
لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ
وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، عمران أبو
العوام ، هو عمران بن داور القطان ، وثقه ابن حبان والعجلي وغيرهما ، وضعفه ابن
معين ، وأبو داود ، والنسائي ، وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم .
" تهذيب التهذيب " (8/ 132) .
وقال الحافظ في "التقريب" (ص 429): " صدوق يهم " .
وقد تبين خطؤه ووهمه في هذا الحديث :
فقد رواه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (127) ، والطبري في "التفسير" (24/ 377) من
طريق يَزِيد بن زريع، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا صَاحِبٌ
لَنَا عَنْ أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: " أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ
لِسِتٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ
خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ
رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ
رَمَضَانَ ) .
وهذا إسناد صحيح ، سعيد ، وهو ابن ابي عروبة ، من أوثق الناس في قتادة ،
قال ابن أبي خيثمة: " أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي " .
" تهذيب التهذيب " (4/ 63) .
ويزيد بن زريع أوثق الناس في سعيد ، قال ابن معين في تاريخه (1/ 102):
" أوثق الناس فى سعيد بن أبى عروبة يزيد بن زريع " .
فالصحيح عن قتادة ما رواه سعيد بن أبي عروبة ، عنه ، عن صاحب له ، عن أبي الجلد ،
من قوله . ورواية عمران خطأ .
وقد رواه ابن أبي شيبة (6/ 144): حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ
سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةَ، يَذْكُرُ عَنْ
أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: فذكره .
وقد روى البيهقي هذا الحديث في " الأسماء والصفات " (1/ 569) من طريق عمران به ، ثم
قال : " وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ , عَنْ قَتَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ ،
لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَدَلَ ثَلَاثَ
عَشْرَةَ) ، وَكَذَلِكَ وَجَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ
، دُونَ ذِكْرِ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ "انتهى .
ورواه ابن أبي شيبة (6/ 144):
حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: " نَزَلَتِ
التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ
وَعِشْرِينَ " .
وأبو الجلد هو جيلان بن فروة البصري ، وثقه الإمام أحمد ، وقال ابن أبي حاتم :
" صاحب كتب التوراة ونحوها " .
" الجرح والتعديل " (2/ 547) .
وينظر أيضا للفائدة : " المطالب العالية " لابن حجر (14/350) وتعليق المحققين .
والخلاصة : أن هذا الكلام
ورد من قول أبي قلابة ، وأبي الجلد ، وأخذه قتادة عن أبي الجلد وكان ربما حدث به
ولم يذكر أبا الجلد .
فمثل هذا الأثر لا تقوم به الحجة ، لأنه من قول بعض التابعين .
وأما الحديث المرفوع فهو حديث ضعيف ، لا تقوم به حجة .
وله شاهد رواه ابن عساكر (6/
202) من طريق أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي نا أبو قصي نا أبي عن علي هو
ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنزلت الصحف
على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست من رمضان، وأنزلت
التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم
لأربع وعشرين من رمضان ) .
وهذا إسناد واه مسلسل بالعلل :
-محمد بن موسى بن فضالة، أبو عمر الدمشقي. قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه.
"الميزان" (4/51) .
وفي نسخة من " الميزان " (4/ 555) في ترجمة أبي عمر الدمشقي : " قال الدارقطني:
متروك ، قال الذهبي : هو محمد بن موسى بن فضالة " .
- وأبو قصي هو إسماعيل بن محمد بن إسحاق العذري : مجهول ، ترجمه ابن عساكر " تاريخ
دمشق " لابن عساكر (71/ 313)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
- وأبوه لم نجد له ترجمة .
- وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس .
انظر : "التهذيب" (7/339) .
وبالجملة فالحديث معلول لا يصح رفعه ، ولا يصلح للاحتجاج به .
ثانيا :
قال تعالى : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ
فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) الأعراف/ 142 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ؟
فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ
عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " انتهى.
ثم قال تعالى :
(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا
لِكُلِّ شَيْءٍ) الأعراف/ 145 .
وقد اختلف المفسرون في المقصود بالألواح ، فقيل : كان مكتوبا فيها التوراة ، وقيل :
أعطيها موسى قبل التوراة ، قال ابن كثير :
" أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، قِيلَ: كَانَتِ الْأَلْوَاحُ مِنْ
جَوْهَرٍ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ لَهُ فِيهَا مَوَاعِظَ وَأَحْكَامًا
مُفَصَّلَةً مُبَيِّنَةً لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْوَاحُ
مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْرَاةِ ، وَقِيلَ: الْأَلْوَاحُ أُعْطِيَهَا مُوسَى
قَبْلَ التَّوْرَاةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من " تفسير ابن كثير " (3/ 474).
فعلى تقدير ثبوت الحديث يمكن
الجمع بينهما بأن نزول التوراة كان لست مضين من رمضان ، وأن الألواح المذكورة في
الآية : غير التوراة ، وإنما فيها مواعظ وأشياء أخرى ، سوى ما في التوراة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولكل رسول كتاب، قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد: 25] ، وهذا يدل على أن
كل رسول معه كتاب ، لكن لا نعرف كل الكتب ، بل نعرف منها: صحف إبراهيم وموسى،
التوراة، الإنجيل، الزبور، القرآن، ستة، لأن صحف موسى بعضهم يقول: هي التوراة،
وبعضهم يقول: غيرها، فإن كانت التوراة، فهي خمسة، وإن كانت غيرها، فهي ستة، ولكن مع
ذلك نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على الرسل، وإن لم نعلم به، نؤمن به إجمالاً "
انتهى من "شرح العقيدة الواسطية" (1/65) .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ ،
حفظه الله :
" الكُتُبُ التي أنزلها الله - عز وجل - على المرسلين : اختلف العلماء هل يدخل فيها
الصحف، أم إنَّ الكتب غير الصحف؟ على قولين:
- من أهل العلم من قال: الصحف هي الكتب.
- ومنهم من قال: لا؛ الصحف غير الكتاب.
ويَتَّضِحْ الفرق في صحف موسى عليه السلام والتوراة، فإنَّ الله - عز وجل - أعطى
موسى عليه السلام صُحُفَاً وأعطاه أيضاً التوراة، فهل هما واحد أم هما مختلفان؟
خلاف:
- والقول الأول: أنهما واحد لأنَّ صحف موسى هي التوراة ، وهي التي كتبها الله - عز
وجل - بيده.
- القول الثاني: أنَّ الصحف غير الكتب، وهذا القول هو الصحيح ، وهي أنَّ كتب الله -
عز وجل - غير الصحف.
ويدل على هذا الفرق أنَّ الله - عز وجل - أعطى موسى صُحُفَاً ، عليه السلام ،
وكَتَبَ له ذلك في الألواح ، كما قال وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ[الأعراف:145]، وأوحى الله -
عز وجل - إليه بالتوراة أيضاً.
فقوله صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى[الأعلى:19]:
صحف إبراهيم: ذَكَرَ الله ما فيها في سورة النجم قال وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي
وَفَّى* أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ
إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ
الْأَوْفَى[النجم:37-41]، إلى آخره، فهذه كانت مما في صحف إبراهيم عليه السلام.
وفي صحف موسى: ما كتبه الله - عز وجل - له.
وأما التوراة: فهي وحْيٌ وكتَابٌ مستقل ، غير صحف موسى عليه السلام ، أوحاها الله -
عز وجل - إليه.
صحف موسى بالذات : وَقَعَ فيها الاشتباه ، من جهة أنَّهُ : ظاهر القرآن أنَّ الله -
عز وجل - كَتَبَ الصحف لقوله وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ، وجاء في الحديث
أنَّ الله - عز وجل - كتب التوراة لموسى بيده، فمن هذه الجهة وقع الاشتباه، هل هما
واحد لأجل أن هذه كُتِبَتْ وهذه كُتِبَتْ.
والأظهر كما ذكرتُ لك من سياق الآيات في سورة الأعراف أن الكتب غير الصحف " .
انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (1/321) .
وممن رجح الفرق بينهما أيضا : الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، كما في "فتاواه" (1/367) ،
والشيخ عبد العزيز الراجحي ، كما في "شرح الاقتصاد في الاعتقاد" (17) .
والله تعالى أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |