مخيم (برج البراجنة) بلبنان.. فقر مدقع وأبواب موصدة - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
لا يستطيع المرء أن يفرق بين مخيم وآخر من مخيمات اللجوء في لبنان. فحينما وصلنا إلى مخيم "برج البراجنة" الواقع على الطريق الرئيسي لمطار بيروت الدولي، والذي تبلغ مساحته نحو 104 دونمات، عاد إلينا مشهد مخيم عين الحلوه المهوّل في ممراته الضيقة وأرضه الموحلة، حيث أسلاك الكهرباء المتدلية من كل ناحية وصوب.
وفي "زاروبٍ" لا يتسع عرضه لأكثر من شخص واحد كانت زيارتنا لإحدى العائلات الفقيرة التي تعيش الحرمان بكافة أشكاله.
دخلنا إلى المنزل، أي الغرفة التي استقبلتنا فيها السيدة ميسنة مسلماني وهي امرأة في الثالثة والثلاثين من عمرها، متزوجة ولها 5 أبناء، يعيشون كلهم تحت السقف نفسه حيث كنا؛ إنه مكان مظلم لا يكاد يتمكن فيه بعضنا من رؤية البعض الآخر، لأنه ليس من منفذ لعبور الشمس إلى الداخل.
رب الأسرة رجل عليل، يعاني من إعاقة إثر حادثة أدت إلى كسر يده 14 كسرا منذ 10 سنوات، ما منعه من إيجاد أي فرصة للعمل، غير أن شقيق زوجته يشفق عليه فيأخذه معه أحياناً إلى ورش العمل في البناء ليساعده في بعض الأعمال الخفيفة التي لا تؤثر على صحته، حيث تكون محصلته الشهرية ما بين 10 -150 دولارا فقط لا غير.
الأولاد أربعة منهم من هو في مدارس الانروا التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين وواحدٌ عمره 16 عاماً ترك المدرسة منذ 5 سنوات لأسباب صحية تمنعه من البقاء جالساً مدة طويله على مقعد الدراسة.
لكنهم الخمسة يعانون من مشكلة صحية مشتركة ترجع إلى رداءة المكان، حيث نصحه الأطباء بترك المنزل والانتقال إلى آخر لأن الغرفة تفتقر للشمس كما للأوكسيجين، وميزانية العائلة لا تسمح بدفع إيجار لأي منزل مهما كان إيجاره بخساً.
10 دولارات كل 3 أشهر
ليس للعائلة أية مداخيل أخرى سوى الإعاشة التي تقدمها الأنروا كل 3 أشهر وهي عباره عن بعض الزيت والسكر والأرز و70 دولارا، مقسمة على العائلة كلها، فتكون حصة الشخص الواحد عشر دولارات كل ثلاثة أشهر.
عندما حاولنا استكشاف المكان وجدنا أن ما يسمى بالمطبخ هو عبارة عن زاوية صغيرة لا تتسع لشخص واحد، لم نجد هنالك فرنا، فسألناها عن مكانه؟ أجابت بأنه ليس لديهم فرن، وأنهم يشعلون النار بالطريقة البدائية.
أما المرحاض، فزاوية أخرى، ليس لها باب، وتخبرنا ربة المنزل بحرج بدا واضحاً في عينيها، أن ابنتها الكبرى لا تستحم إلا في وقت متأخر من الليل بعدما يخلد أخوها للنوم.
لم ارَ في حياتي مكاناً أكثر سوءاً من هذا المكان الذي يفتقر إلى كافة الاحتياجات الأولية.
إذا كان دخل الزوج 150 دولارا فقط، فكيف ينفقون؟ هل يكفي هذا الدخل لإطعام عائلة من 7 اشخاص على مدة 30 يوماً.
في الحقيقة أن السيدة لا تطبخ بشكل يومي، هي تحاول استخدام العدس والأرز الذي تحصل عليه من إعاشة الأنروا كل 3 أشهر، غير أنه لا يكفيها طيلة الشهر، وتخبرنا أن العائلة تمضي أياماً وأيام دون الحصول على وجبة واحده، في بعض الأحيان تحصل على بعض الغذاء الذي تطبخه والدتها وربما الجيران.
مشاكل صحية بالجملة
لاحظنا أن ميسنة تعاني من مشكلة ما أثناء المشي فهي لا تسير بشكل سوي، طرحنا السؤال، فبدأت تروي لنا معانتاها مع المرض .
إنها ليست أفضل حالاً من زوجها، فالمشكلة الصحية بدأت منذ 5 سنوات حيث شعرت ببعض الآلام في رجلها وذهبت الى الطبيب الذي شخص الحالة بوجود تكلس في المفصل ووصف لها بعض الدواء والإبر، وأمرها بعدم إرضاع الطفل من ثديها ففعلت.
لم تشعرالسيدة بأي تحسن حينها، فأرشدها الجيران الى طبيبٍ آخر يعالج في مستوصف القدس الموجود في مخيم برج البراجنة، وحينما رأى صورة المفصل أخبرها أنها لا تعاني من التكلس على الإطلاق إنما هنالك التهاب حاد في العظم.
سألت طبيبها ان كان بامكانه علاجها، فكانت إجابته أن عليها الذهاب الى عيادته الخاصة وإحضار 100 دولار معها.
لكن السيدة قررت أن تعض على جرحها ولا تذهب لأن "كشفية" الطبيب توازي ما يجنيه زوجها خلال الشهر كله فمن أين يأكلون؟
عندما ساءت حالتها لدرجة صارت معها لا تستطيع ان تقف على قدميها، ذهبت إلى طبيب ثالث، ولم تكن تشعر بالتحسن إلا وقتما تأخذ الدواء المسكن.
ما لبثت حالتها أن بدأت بالتراجع لأنها لم تتمكن من أخذ العلاج اللازم نتيجة التقصير في دفع تكاليف الأطباء.
وعن العلاج في الأنروا، فميسنة حاولت العلاج في عيادات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين غير انهم لم يبدوا اهتماماً بوضعها وكل ما كانت تحصل عليه هو عقار البانادول وبعض المسكنات فقط لا غير.
تدهور وضعها الصحي إلى أسوأ حالاته لكنها رفضت أن ترمي بثقل المنزل والعائلة واحتياجاتها على ابنتها الكبرى التي كانت مقبلة على فترة اختبارات رسميه.
فتوقّفت عن العلاج ريثما تنتهي ابنتها من تقديم الاختبارات النهائية.
لاحظ الجيران تردي حالتها فعرضوا عليها أن يأخذوها إلى طبيب مختص، وقبل أن توافق ميسنة على استشارة الطبيب كان هاجسها الأول أن تعرف قيمة المبلغ الذي سيطلبه منها، وعندما عرفت أنها تساوي خمسين دولارا رفضت.
غير أن جارتها قالت لها "ادفعي ما استطعت وأنا أكمل الباقي".
ففعلت، وذهبتا إلى الطبيب الذي طلب منها إجراء بعض الفحوصات والصور التي ستكلفها ما لا طاقة لها به.
تدخلت الجارة وشرحت وضع المريضة المادي للطبيب، فكان إنسانياً وحولها إلى مستشفى معروف لمراعات ظروفها، فاقترضت ما استطاعت والباقي كان على نفقة المستشفى.
أما نتيجة التحاليل فأظهرت أن السيدة ميسنة تعاني من وجود أكياس دم في ظهرها، إضافة الى حالة أخرى هي انفصال عظم الحوض عن الرجل وترقق عظام والتهاب حاد في الدم.
سوء التغذية والرطوبة
في تشخيص الطبيب كان هناك عاملان اثنان تسببا لها بكل هذه الأمراض و هما سوء التغذية والرطوبة العالية في الغرفة التي يعيشون فيها، فوصف لها الشمس قبل أي شيء آخر.
أما العقاقير فأولها حبة دواء أسبوعية تبلغ قيمتها 35 دولارا، تمكن الطبيب من تقديمها مجاناً للمريضة، لكن ما ذا عن باقي الدواء الذي تبلغ قيمة العبوة الواحدة منه 150 دولارا، وهي تحتاج إلى 5 عبوات شهرياً.
وفي الوقت الذي لم تسطع فيه أن توفر ثمن الدواء، كان لابد لها من اقتراضه من احدى الصيدليات الموجودة في المخيم، ولسوء حظها لم يكن في الصيدلية غير عبوتين فقط.
إن الدواء ضروري جداً إضافة الى دواءٍ آخر تبلغ قيمته 600 دولار، ولا يجب ان تنقطع عنه أبداً ما يعني أن قيمة علاجها الشهري تصل إلى 700 دولار، والمسكينة حتى الساعة لم تجد لشفائها سبيلا.
أبواب موصدة
سألناها عما إذا كانت قد حاولت إيجاد مصدر آخر كمؤسسة اجتماعية او ربما منظمة التحرير لمساعدتها، فأخبرتنا أن زوجها ذهب لطلب المساعدة من منظمة التحرير فوعدته عدة مرات بالمساعدة ولم تفعل.
أما عن المؤسسات فتقول إن والدة زوجها ذهبت إلى مؤسسة بيت أطفال الصمود فرفضوا المساعدة قائلين ان المساعدة تقتصر على الأيتام فقط. وحينما ذهبت الى جمعية الإرشاد والإصلاح طردوها قائلين لها (كلكو بتجيبو تقارير وبتكذبوا) فعادت إلى بيتها يائسة وباكية.
وتذكر أن هنالك رجلاً أجنبياً يعمل في منظمات العمل غير الحكومية كان يعمل على تأمين زي الروضة التي تتعلم فيها ابنتها الصغرى البالغة 5 سنوات، وكان يدفع أقساطها الشهريه، لكنه ما لبث أن قطع كل أشكال المساعدة لأن الوالدة رفضت أن تُخرج ابنتها الكبرى معه إلى احدى النوادي الليلية، حيث كان مصراً على ان تنزع الحجاب عن رأسها أيضاً، فتقول "نحن مسلمون ولن أخسر ابنتي لأكسب المساعدة من أحد".
ومازالت حتى اللحظة لا تستطيع القيام بالأعمال المنزلية والابنة الكبرى هي الطالبة وهي ربة المنزل.
وتختم السيدة حديثها قائلة "أنا لست طامعة في شيء، كل ما اتمناه هو ان أحصل على العلاج الكامل لأتمكن من القيام بواجباتي كزوجة وكوالدة، أريد منزلاً صحياً يسترنا؛ فابنتي أصبحت "صبية" لا تستطيع تغيير ثيابها ولا دخول المرحاض حينما يكون والدها وشقيقها في المنزل".
وتعبر عن امتعاضها ومللها من طلب المساعدة من الآخرين "الإنسان في عنده كرامه! بكفينا ذل وبهدلة".
ثم تلقي بكامل غضبها على جهة واحدة ليس سواها وهي منظمة التحرير الفلسطينية على اعتبار، أنها مسؤولة عن الشعب (بالاسم) بينما الشعب آخر هم المنظمة.