عنوان الفتوى : عيد الأم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم الاحتفال بعيد الأم، وهل صحيح أنه بدعة ؟ ولماذا يكون بدعة ؟ ألم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بحسن صحبتها؟

مدة قراءة الإجابة : 12 دقائق

قبل البدء في بيان حكم عيد الأم يحسن بنا أن نقدم لذلك بمكانة الأم في الإسلام، وما يستلزمه ذلك من حق لها يكفله الإسلام، فقد جعل لها حقوقا كبيرة، وذلك اعترافا بما قدمته، ودورها في الحياة.

بر الأم كان من صفات الأنبياء:

فبر الأم صفة ليست بعيدة عن الأنبياء، فهم القدوة في ذلك يحكي الله تعالى في وصف عيسى وهو في المهد: ” وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ”  [مريم/14] وهذا يعني البر وحسن الصلة وعدم التجبر، فكأن عدم البر لهما يعني التجبر ، ويعقبه الشقاء.

البر بالوالدين بعد توحيد الله تعالى:

ولم يقتصر البر عليهما في أثناء حياتهما فقط بل امتد بعد وفاتهما روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف” قيل: من؟ يا رسول الله! قال “من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة”.

فكأن إدراك الأبوين عند كبرهما، والبر لهما سبب في دخول الجنة.

جعل الله سبحانه وتعالى بر الوالدين والإحسان لهما قرين العبادة في الأمر به، يقول الله تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (النساء: 36) ويقول تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ” (الإسراء: 23) .

فبعد الأمر بتوحيد الله تعالى كان الأمر بنفس الدرجة بالإحسان للوالدين. وذلك لعظم حقهما على الابن.

البر حتى بعد الموت:

ووردت نصوص كثيرة تعنى ببرهما حتى بعد وفاتهما حبا لهما وتقديرا فعن ابن عباس رضي الله عنهما :” أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها ، أرأيتِ لو كان على أمك ديْن أكنتِ قاضيته ، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء”. رواه البخاري.

وبعد موتها يسنّ برها بصلة من كانت تصله في حياتها كأقاربها وأصدقائها، فعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ “. رواه مسلم.

وروى أبو داود في سننه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل بقي من بر أبوي شيء بعد وفاتهما، قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وتنفيذ وصيتهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وتسديد ديونهما”

حق الأم وإن كانت غير مسلمة:

روى البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملا أمه يطوف بها, فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها ؟ قال : « لا , ولا بزفرة واحدة » ! .. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها.

وحتى إن كانت غير مسلمة فلها حق، قالت أسماء بنت أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي زارتني وهي مشركة، أفأصلها ؟ فنزل قول الله تعالى: ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ” (الممتحنة: 8) هذا كله مادامت لا تنهى عن طاعة الله، ولا تدعو لشرك، فإن فعلت فلا سمع ولا طاعة، ولكن يبقى البر.

تفضيلها في البر

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله : من أحق الناس بصحابتي ؟ قال :« أمك ». قال : ثم من ؟ قال : « أمك » . قال : ثم من ؟ قال : « أمك » . قال : ثم من ؟ قال : « أبوك ».

دل هذا الحديث على عظم حق الأم ، وتفضيلها في البر على الأب وهذا لأكثر من سبب منه الحمل والولادة، والألم، والتربية، والحنان والعطف، والقرب والملازمة، وغير ذلك مما يجعها في نظر الابن أقرب مما يبدو، فيدعوه هذا –ربما – للتساهل معها فدل الحديث على غير ذلك.

ولعل السبب في ذلك أن الله تعالى أوصى بها بصورة خاصة مع ذكر السبب فقال تعالى :” وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” ( الأحقاف / 15 ) .

ومن عظم البر أنه استئذانهما في الجهاد واجب فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيٌّ والداك ؟ قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد . رواه البخاري ومسلم.

وهذا يتطلب عدم الإيذاء ولو بالكلمة لقوله تعالى :”فلا تقل لهما أفٍ” الإسراء.

الاحتفال بعيد الأم:

كل هذه الأمور تعني أن للأبوين وبخاصة الأم مكانة عظيمة، لذا فتكريمها واجب، ولا يكفي التكريم يوما واحدا بل ينبغي أن يكون طوال العام كله وليس فقط كما يفعل الغربيون.

وقد اختلفت الآراء اختلافا كبيرا في هذا الأمر فمنهم من يقول ببدعية الاحتفال في يوم واحد بالأم، وأن هذا تشبه بالغربيين وهو منهي عنه، والآخرون يعدونه من بدع العادات ولا يرون مانعا من ذلك.

فالشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء يرى أنه ليس هناك مانع من الأمر بشرطين:

أن يكون تكريما إضافيا.

ألا يكون هذا عيدا بالمعنى الشرعي للعيد.

ويرى الدكتور محمد بكر إسماعيل أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالأزهر ـ رحمه الله ـ:

“هذا اليوم الذي تُكرم فيه الأم ويُسميه الناس “عيد الأم” هو مِن بدَع العادات لا مِن بدَع العبادات، وبدَع العادات لا يَأمر بها الإسلام ولا يَنهَى عنها إلا إذا كانت تتصل بالدِّين من قريب أو مِن بعيد، فإذا كانت هذه العادات تُعبِّر عن الوفاء والاعتراف بالجميل وتدعو إلى البرِّ والإحسان إلى مَن يَستحق البرَّ والإحسانَ، كالأمِّ والأبِ ومَن في حُكمهما كالجَدَّة والجَدِّ، فإن الإسلام يُبارك هذه العادات ويُقرُّها.

أمَّا إذا كانت هذه العادات تُعبِّر عن الضِّدِّ مِن ذلك، أو يَترتَّب على فعْلها ما يَعيبه الإسلام ويَنهَى عنه، كالإسراف والتبذير والعبَث واللهْو واللعب والتفاخُر، فإن الإسلام يَنهَى عن ذلك ويُحذر منه.

وقد عرَّف “الشاطبيُّ” البدْعة في كتاب الاعتصام (1 /36) فقال:

“هي طريقة في الدِّين مُخترَعة، تُضاهي الشرعيَّة، يُقصَد بالسلوك عليها التعبُّدُ لله سبحانه وتعالى”.

أما العادات فليست طريقةً مخترَعة في الدين، بل هي أمرٌ من أمور الدِّين تُرِكَ لنا تَوسعةً علينا، فإنْ أدَّتْ هذه الطريقة المُعتادة إلى إخلال بسُنة من السُّنن المشروعة فهي بدْعة. وعيد الأم لا يُؤدي إلى إخلال بالسنن المشروعة، وبالتالي لا يُعَدُّ مِن البِدَعِ.أ.هـ

ويرى الدكتور عبد الفتاح عاشور من علماء الأزهر:

أن الاحتفال بأيام فيها تكريم للناس، أو إحياء ذكرى طيبة لم يقل أحد بأن هذا احتفال ديني، أو عيد من أعياد المسلمين، ولكنه فرصة لإبداء المشاعر الطيبة نحو من أسدوا لنا معروفًا، ومن ذلك ما يعرف بالاحتفال بيوم الأم، أو بعيد الأم، فإن الأم لها منزلة خاصة في دين الله، بل في كل دين، ولذلك يجب أن تكرم، وأن تحترم وأن يحتفل بها.انتهى.

ويقول الشيخ حامد العطار – عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والباحث الشرعي بالموقع-:

الاحتفال بعيد الأم في اليوم المحدد ذلك(21 من مارس) أقل أحواله عندي الكراهة، ولا يبعد أن يكون حراما، ليس بسبب البدعة ، ولكن بسبب تقليد غير المسلمين في عاداتهم وأعيادهم،وقد وردت عدة أحاديث ، ينهى النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمته عن التشبه بأهل الكتاب؛من ذلكما جاء عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من تشبه بقوم فهو منهم”[1]

ومنها ، ما جاء عن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين فقال: “إن هذه من ثياب الكفار لا تلبسها” .

كما  روى أحمد في مسنده أن عمر رضي الله عنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: “إياكم وزي أهل الشرك” .انتهى.

وبناء على ما سبق أرى ما يلي:

أولا: أن توقير الأم والاحتفاء- فضلا عن الاحتفال- بها في كل لحظة وليس في كل يوم من الأمور الواجبة شرعا.

ثانيا: أن أوامر الشرع تحض على ذلك.

ثالثا: أنه ليس في شرعنا ما ينهى عنه.

رابعا: أنه ليس بدعة دينية وهي كما جاء في بيان للناس من الأزهر الشريف :” تكون في الأصول المُتَّفَق عليها، أما الفروع التي هي محل الاجتهاد وفيها خلافات للعلماء فلا ينبغي أن تُوصَف بالبدعة، وقد قال العلماء: إن العمل المُسْتَحْدَث إذا استند إلى حديث ولو كان ضعيفًا يُخرِجه عن نطاق البدعة”.

وبالتالي لا أرى هناك مانعا من الاحتفال بشروط هي:

ألا يكون في الاحتفال شيء مما نهى الشرع عنه كاختلاط منبوذ، أو محرم.

أن لا يقصد التشبه بالغرب.

أن يكون ضمن احتفاله طوال العام بها.


[1] – رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر برقم3512، والحديث صححه الشيخ الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير . حديث رقم 6149