عنوان الفتوى : أسباب اعتبار الكذب في الرؤيا أعظم جرما من الكذب في اليقظة
عندي سؤال أعزكم الله: أنا في الصف الأول الثانوي، تقريبا رأيت حلما وهو أنني أنظف غرفتي، وعندما دخلتها وجدت رجلا ضخم الهيئة يجلس على سريري، فجلست بجانبه، وتناقشنا. وعندما استيقظت أحسست وكأنه رسول الله، لكني لا أعلم هل هو أم إنه جدي رحمه الله؟ قلت لأمي إنني رأيت رسولنا الكريم، وبعدها بفترة طويلة علمت أن من يكذب ويقول إنه رأى محمدا صلى الله عليه وسلم، فليتبوأ مقعده في النار. أخشى أن أكون منهم. ماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته الثابتة في السنة الصحيحة، من المبشرات؛ لأن الشيطان لا يتمثل به؛ وذلك لما في الصحيحين: من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي. وفي رواية: فقد رأى الحق.
وادعاء الإنسان أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يره، يعتبر من الكذب المحرم، وتجب التوبة منه؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي. ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
وجاء أيضا في صحيح البخاري في الوعيد على هذا، باب: من كذب في حلمه ـ من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ. وفيه عن ابن عمر مرفوعاً: إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ. أي في المنام.
قال ابن بطال شارح البخاري: قال محمد بن جرير: إن قال قائل: ما وجه خصوص النبيِّ عليه السلام الكاذبَ في رؤياه بما خصه به من تكليف العقد بين طرفي شعيرتين يوم القيامة، وهل الكاذب في رؤياه إلا كالكاذب في اليقظة، وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدًا أو قتلاً، أو مالاً يؤخذ منه، وليس ذلك في كذبه في منامه؛ لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره؟ قيل له: اختلفت حالتهما في كذبهما، فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين، وذلك لتظاهر الأخبار عن النبي عليه السلام أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحيًا من الله، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم يَرَ، والكاذب على الله أعظم فرية وأولى بعظيم العقوبة من الكاذب على نفسه بما أتلف به حقًا لغيره، أو أوجبه عليه، وبذلك نطق محكم التنزيل، فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {هود:18} فأبان ذلك صحة ما قلناه أن الكذب في الرؤيا ليس كالكذب في اليقظة؛ لأن أحدهما كذب على الله، والآخر كذب على المخلوقين. اهـ.
وعليه؛ فإن كنت كذبت في رؤياك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى، فإن فعلت فسيتوب عليك إن شاء سبحانه؛ فقد قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
والله أعلم.