عنوان الفتوى : سبب هجرة اليهود إلى المدينة المنورة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما صحة سيرة الصحابي زيد بن سعنة، حيث نجد أن الصحابي يسأل الحبر المسمى بالهبيان عن سبب تركه للشام وهجرته إلى المدينة المنورة، فقال الحبر الهبيان: إن سبب تركه للشام وهجرته إلى المدينة المنورة هو سبب اقتراب ظهور نبي يهاجر إلى المدينة المنورة مذكورا في توراتهم، وليس لسبب الإيذاء، فهل السبب الرئيسي لهجرة اليهود إلى المدينة المنورة هو انتظار النبي المذكور في توراتهم؟ أم السبب الرئيسي هو الإيذاء من النصارى في الشام؟ وهل كلاهما صحيح؟ أم هناك سبب آخر؟. وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيقول ابن عبد البر في الاستيعاب: زيد بن سعنة، ويقَالَ: سعية بالياء، والنون أكثر في هذا، كان من أحبار يهود، أسلم وشهد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشاهد كثيرة، وتوفي في غزوة تبوك مقبلا إلى المدينة، روى عنه عبد الله بن سلام، وكان عبد الله بن سلام يقول: قَالَ زيد بن سعية: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرف وكرم.

وقد ذكرنا قصة إسلام زيد بن سعنة ـ رضي الله عنه ـ في الفتوى رقم: 72152.

وأما سبب انتقال اليهود إلى المدينة: فالسببان المذكوران صحيحان:

1ـ علمهم بقرب بعثة نبي، قال ابن هشام في سيرته: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمة مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يهودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الأوْس وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْ العربِ كَفَرُوا بِهِ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعاذ بْنُ جَبَلٍ، وبِشر بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، أَخُو بَنِي سَلمة: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وأسْلِموا، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَتُخْبِرُونَنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَّتِهِ، فَقَالَ سَلاَّم بْنُ مِشْكَم، أَحَدُ بَنِي النَّضِير: مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا هُوَ بِاَلَّذِي كُنَّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ {البقرة: 89}. انتهى.

قال الطبري في تفسيره: قال قتادة: كانت اليهود تستفتح بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب.. فلما بَعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فرأوا أنه بُعِث من غيرِهم، كفروا به حسداً للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة. انتهى.

وروى البيهقي في السنن الكبرى، والدلائل، وأبو نعيم في الدلائل: عن عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إِسْلاَمُ ثَعْلَبَةَ وَأَسِيدِ ابْنَي سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ نَفَرٍ مِنْ هَدَلٍ لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلاَ نَضِيرٍ كَانُوا فَوْقَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ فَأَقَامَ عِنْدَنَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلاً قَطُّ لاَ يُصَلِّي الْخَمْسَ خَيْرًا مِنْهُ فَقَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسِنِينَ، فَكُنَّا إِذَا أُقْحِطْنَا وَقَلَّ عَلَيْنَا الْمَطَرُ نَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ الْهَيَّبَانِ: اخْرُجْ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا أَمَامَ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً، فَنَقُولُ: كَمْ ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ظَاهِرَةِ حَرَّتِنَا وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَسْتَسْقِي فَوَاللَّهِ مَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى تَمُرَّ الشِّعَابُ، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ ثَلاَثَةِ فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ فَقُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ، فَقَالَ إِنَّهُ إِنَّمَا أَخْرَجَنِي أَتَوَقَّعُ خُرُوجَ نَبِي قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ هَذِهِ الْبِلاَدُ مُهَاجَرُهُ فَأَتَّبِعُهُ فَلاَ تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ إِذَا خَرَجَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ فَإِنَّهُ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَيَسْبِي الذَّرَارِي وَالنِّسَاءَ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَلاَ يَمْنَعُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي افْتُتِحَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ قَالَ أُولَئِكَ الْفِتْيَةُ الثَّلاَثَةُ وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ لَلَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ قَالُوا: مَا هُوَ، قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إِنَّهُ وَاللَّهِ لَهُوَ لِصِفَتِهِ ثُمَّ نَزَلُوا فَأَسْلَمُوا وَخَلَّوْا أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَهَالِيهِمْ، قَالَ: وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا فُتِحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.

2ـ ما عانوه من الاضطهاد: قال المقريزي في إمتاع الأسماع:.... وقد مات موسى عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لهم: قد عصيتم وخالفتم الآباء، فقالوا: نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها إلى أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم كما تقدم ذكره عند ذكر الأنصار، ويقال: بل كان نزولهم أولا من نواحي العالية، وانحدر بها الآطام والأموال والمزارع، فلبثوا في نواحيه زمانا طويلا حتى ظهرت الروم على بني إسرائيل وخرج بنو قريظة، والنضير، وبنو هذيل من يثرب ونزلوا الغابة ـ موضع قرب المدينة من ناحية الشام ـ ثم تحولوا عنها لوبائها إلى عدة مواضع من نواحي يثرب، والحدم اسم موضع، ويقال: بل كان نزول اليهود بيثرب حين وطئ بختنصّر بلادهم بالشام وخرب بيت المقدس، فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز، كقريظة، والنضير، وسكنوا خيبر، ويثرب، حتى قدمت الأوس والخزرج عليهم، وكانت لهم معهم حروب ظهرت عليهم اليهود. اهـ.

والله أعلم.